الحسن ابن الهيثم

عالم من العلماء الأوائل فى مجال الفيزياء والرياضيات ، زهد فيما يقبل علية الآخرون ، ابتعد عن وظائف الدولة ومظاهر السلطان وإغراء المال فلم يكن حبه للعمل مشروطا بالنفعة المادية إذ كانت المعرفة فى نظرة غاية لا وسيلة ولذا كان عالمنا الجليل صافى الذهن لا يشغلة شئ سوى السير فى طريق العلم بحثا عن الحقيقة إلى أن وصل إلى ما وصل إليه فاستحق لقب أعظم علماء المسلمين فى جميع فروع المعرفة وخاصة فى علم الفيزياء ومنشئ علم الضوء .
إليـك عزيزى الطالب بعضا من حياة هذا العالم الذى كان محبا وعاشقا لمصر ونيلها العظيم فعاش فيها وشرب من نيلها ودفن فى ثراها .
ولد الحسن بن الهيثم فى البصرة ونشأ وتعلم فيها وعمل كاتبا هناك ، ولكنه لم يقنع بهذا فكانت بغداد عاصمة الخلافة ،وحاضره العلم والعلماء آنذاك على بعد أميال منه فتوافرت له بيئة علمية ولذا فقـد بدأ حياته العلمية فى الفترة الذهبية للحضارة العربية والإسلامية ، ففى هذه الفترة الذهبية للحضارة العربية والاسلامية ، ففى هذه الفترة كان قد تم نقل كتب الفلسفة والهندسة والرياضيات والطب من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية فانكب عليها قارئا متعلما ثم ناقدا فمبدعا .
ولأن ابن الهيثم قد نهج النهج العلمى الصحيح فإنه أبدى الشك فى نظرية ارسطو طاليس وبطليموس القائلة أن الكرة الأرضية مركز الكون والأفلاك تدور حولها ، وناقش هذا الفرض فما وجده مقنعا ولهذا نجده يقول "من الممكن أن يتصور الإنسان أوضاعا أخرى وحركات سماوية غير التى رآها أرسطو وبطليموس وأن هناك مجموعة شمسية تدور" .
وبذلك نجد أن ابن الهيثم قد توصل إلى نظرية المجموعة الشمسية وأن الكرة الأرضية أحدها فقد سبق كل من نيوتن وكوبريتك إلى نظرية المجموعة الشمسية .
إن المنهج العلمى الذى سلكه ابن الهيثم فى بحوثه فى الضوء والبصريات هو المنهج العلمى الذى يسير عليه علماء اليوم ، بنى ابن الهيثم منهجه العلمى على استخراج القانون العام من مفردات الواقع وهذا ما نسميه الآن بالاستقراء والقياس والاستنباط .
ويذكر جوزيف هيل فى كتابه (الحضارة العربية) :
"أن الطريقة التى اتبعها ابن الهيثــم فى بحوثه وكشوفه هى المنهـج العلـمى ، ويكون بهذا قد سبق بيكــون الـذى ينسـب إليـه هذا المنهج" .
وبهذه المنهجية العلمية الفذه توصل ابن الهيثم إلى انكار نظرية "اقليدس" و"بطليموس" فى علم البصريات التى تقول (أن العين ترسل اشعتها على الأشياء) فابن الهيثم صحح هذه النظرية فى كتابه "المناظر" فقال بنظريته المشهورة التى تقول (أن الشعاع لا يصدر من العين إلى الأجسام ، ولكن الأجسام هى التى ترسل اشعتها إلى العين" .
ان من يقرأ كتاب المناظرة الذى يعد أروع ماكتب فى القرون الوسطى فى علم البصريات، يستدل على أن ابن الهيثم عرف الطريقة العلمية و أنه سار عليها ومهد لها ولأحوالها متبعا العناصر الأساسية فى طريقة البحث العلمى وقد تجلى منهجه العقلى فى الأمور التالية :
1- الفضول العلمى المجرد :
فقد امتاز هذا العالم بشغفه للمعرفة وحبه للحقيقة واستطلاع أسرار الطبيعة والكشف عن أسباب ظواهرها ، ولعل أسفاره العديدة من البصرة إلى بغداد إلى دمشق إلى مصر توضح لنا بجلاء شغفه للبحث عن الحقيقة والمعرفة .
2- الشك المنهجى والنزعة الوصفية :
فلم يكن ابن الهيثم يقبل برأى الا بعد اقتناعه به ، وكان يعتز أن منزلة الحقيقة فوق منزلة الشهرة ومن هنا نجده قد شك ورفض بعض أراء علماء زمانه البارزين .
ومما يؤكد ويثبت ذلك نورد نصا على لسان ابن الهيثم يقول فيه "إنى لم أزال منذ عهد الصبا مروبا فى اعتقادات الناس المختلفة ، وتمسك كل فرقه منهم بما تعتقده فى الرأى فكنت متشككا فى جمعه ، موقنا بأن الحق واحد وأن الاختلاف فيه انما هو من جهة السلوك إليه ، فلما كملت لادراك الأمور العقلية ، انقطعت إلى طلب الحق ، فخضت لذلك ضروب الأراء والاعتقادات ، وأنواع علوم الديانات فلم أحظ من شئ منها بطائل ، ولا عرفت منه للحق منهجا ، ولا إلى الرأى اليقين مسلكا جددا ، فرأيت أنى لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية ..." .
كان ابن الهيثم يرفض كل التفسيرات الماورائية أو الغيبية فقد عالج الظاهرات والواقعات المحسوسة والقابلة للإدراك الحسى ويفسر ظواهر الطبيعة بأسباب طبيعية ، وقد أتخذ من الأمور الحسية سبيلا إلى معرفة الواقع ، ولا شك أن الأمانة العلمية تستلزم من العالم أن يبحث ويحقق بنفسه للوصول إلى المعلومة ولا يعتمد على المعلومات الجاهزة .
3- المراقبة والملاحظة المباشرة :
اعتمد ابن الهيثم على المراقبة المباشرة فى معرفة وتفسير الظواهر الطبيعية وكان يدون مشاهداته بترتيب ونظام لتقسيم عملية الاستقراء والاختبار .
4- الاختبـــــــــار :
اعتمد ابن الهيثم أيضاً على طريقة الاختبار بضبط الظاهرة فى تكرارها حتى يتيقن من ثبات الظاهرة ودوامها .
5- الاستقراء والقياس أو الاستنتاج :
فسر ابن الهيثم الظاهرات الطبيعية أنطلاقا من مبدأ فلسفى يجمع بين أسلوبين هما :
الاستقراء : ويقضى بالانطلاق من أحكام جزئية قابلة للتعميم .
القيـــــاس : ويقضى بالانطلاق من حكم عام يقينى يطبق على الاحكام الفرعية أو الجزئية .
ومما ساعد ابن الهيثم على اتباع الطريقة العلمية فى التفكير ثقافته الموسوعية فى الرياضيات والفيزياء والفلك التى ساعدته على تطبيق المنهج التجريبى .
ولنقرأ ما قاله ابن الهيثم لاثبات صواب طريقته :
"ونبتدئ فى البحث باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المرئيات وتميز خواص الجزئيات ونلتقط باستقراء ما يخص البصر فى حال الابصار وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الأحساس . ثم نترقى فى البحث والمقاييس على التدرج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ فى النتائج ، ونجعل غرضنا فى جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ، ونتحرى فى سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء فلعلنا ننتهى بهذا الطريق إلى الحق" .
وللموضوع بقية فانتظرونا ...... :!: :!: :!: