منتدى شنواى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة شنواىأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ( الانسان بعد الدنيا )

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
احمد رمضان المعداوي
عضو محترف
عضو محترف
احمد رمضان المعداوي


ذكر
عدد المساهمات : 461
نقاط : 1313
تاريخ التسجيل : 21/11/2009
العمر : 29
الموقع : مدرسه شنواي

( الانسان بعد الدنيا ) Empty
مُساهمةموضوع: ( الانسان بعد الدنيا )   ( الانسان بعد الدنيا ) Emptyالأربعاء 25 نوفمبر 2009 - 18:29

ثم إنه يخبرنا ان الانسان سيرتحل من الدنيا التي فيه حياته الاجتماعية وينزل دارا أخرى سماها البرزخ ، ثم دارا أخرى سماها الآخرة غير ان حياته بعد هذه الدنيا حياة انفرادية ، ومعنى كون الحياة انفرادية ، انها لا ترتبط بالاجتماع التعاوني ،


--------------------------------------------------------------------------------

(123)
والتشارك والتناصر ، بل السلطنة هناك في جميع احكام الحياة لوجود نفسه لا يؤثر فيه وجود غيره بالتعاون والتناصر اصلا ، ولو كان هناك هذا النظام الطبيعي المشهود في المادة لم يكن بد عن حكومة التعاون والتشارك ، لكن الانسان خلفه وراء ظهره ، وأقبل إلى ربه ، وبطل عنه جميع علومه العملية ، فلا يرى لزوم الاستخدام والتصرف والمدنية والاجتماع التعاوني ولا سائر أحكامه التي يحكم بها في الدنيا ، وليس له إلا صحابة عمله ، ونتيجة حسناته وسيئاته ، ولا يظهر له إلا حقيقة الامر ويبدو له النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ، قال تعالى : « ونرثه ما يقول ويأتينا فردا » مريم ـ 80 ، وقال تعالى : « ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعائكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون » الانعام ـ 94 ، وقال تعالى : « هنالك تبلوا كل نفس ما اسلفت وردوا إلى الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون » يونس ـ 30 ، وقال تعالى : « مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون » الصافات ـ 26 ، وقال تعالى : « يوم تبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار » ابراهيم ـ 48 ، وقال تعالى : « وان ليس للانسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى » النجم ـ 41 ، إلى غير ذلك من الآيات ، فهذه الآيات كما ترى تدل على ان الانسان يبدل بعد الموت نحو حياته فلا يحيى حياة اجتماعية مبنية على التعاون والتناصر ، ولا يستعمل ما أبدعه في هذه الحياة من العلوم العملية ، ولايجنى إلا ثمرة عمله ونتيجة سعيه ، ظهر له ظهورا فيجزى به جزاء.
قوله تعالى : « كان الناس إمة واحدة » ، الناس معروف وهو الافراد المجتمعون من الانسان ، والامة هي الجماعة من الناس ، وربما يطلق على الواحد كما في قوله تعالى : « إن إبراهيم كان أمة قانتا لله » النحل ـ 120 ، وربما يطلق على زمان معتد به كقوله تعالى : « وادكر بعد أمة » يوسف ـ 45 ، أي بعد سنين و قوله تعالى : « ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة » هود ـ 8 ، وربما يطلق على الملة والدين كما قال بعضهم في قوله تعالى : « إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون » المؤمنون ـ 52 ، وفي قوله تعالى : « أن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون » الانبياء ـ 92 ، وأصل الكلمة من أم يأم إذا قصد فأطلق لذلك على الجماعة لكن لا على كل جماعة ، بل على


--------------------------------------------------------------------------------

(124)
جماعة كانت ذات مقصد واحد وبغية واحدة هي رابطة الوحدة بينها ، وهو المصحح لاطلاقها على الواحد وعلى سائر معانيها إذا أطلقت.
وكيف كان فظاهر الآية يدل على أن هذا النوع قد مر عليهم في حياتهم زمان كانوا على الاتحاد والاتفاق ، وعلى السذاجة والبساطة ، لا اختلاف بينهم بالمشاجرة والمدافعة في امور الحياة ، ولا اختلاف في المذاهب والاراء ، والدليل على نفي الاختلاف قوله تعالى : فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ، فقد رتب بعثة الانبياء وحكم الكتاب في مورد الاختلاف على كونهم أمة واحدة فالاختلاف في أمور الحياة ناش بعد الاتحاد والوحدة ، والدليل على نفي الاختلاف الثاني قوله تعالى : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغيا بينهم فالاختلاف في الدين إنما نشأ من قبل حملة الكتاب بعد إنزاله بالبغي.
وهذا هو الذي يساعد عليه الاعتبار ، فإنا نشاهد النوع الانساني لا يزال يرقى في العلم والفكر ، ويتقدم في طريق المعرفة والثقافة ، عاما بعد عام ، وجيلا بعد جيل ، وبذلك يستحكم أركان اجتماعه يوما بعد يوم ، ويقوم على رفع دقائق الاحتياج ، والمقاومة قبال مزاحمات الطبيعة ، والاستفادة من مزايا الحياة ، وكلما رجعنا في ذلك القهقرى وجدناه اقل عرفانا برموز الحياة ، وأسرار الطبيعة ، وينتهي بنا هذا السلوك إلى الانسان الاولي الذي لا يوجد عنده الا النزر القليل من المعرفة بشؤون الحياة وحدود العيش ، كأنهم ليس عندهم الا البديهيات ويسير من النظريات الفكرية التي تهيئ لهم وسائل البقاء بأبسط ما يكون ، كالتغذي بالنبات أو شيء من الصيد والايواء إلى الكهوف والدفاع بالحجارة والاخشاب ونحو ذلك ، فهذا حال الانسان في أقدم عهوده ، ومن المعلوم ان قوما حالهم هذا الحال لا يظهر فيهم الاختلاف ظهورا يعتد به ، ولا يبدو فيهم الفساد بدوا مؤثرا ، كالقطيع من الغنم لا هم لافراده الا الاهتداء لبعض ما اهتدى إليه بعض آخر ، والتجمع في المسكن والمعلف والمشرب.
غير ان الانسان لوجود قريحة الاستخدام فيه كما اشرنا إليه فيما مر لا يحبسه هذا الاجتماع القهري من حيث التعاون على رفع البعض حوائج البعض عن الاختلاف والتغالب والتغلب ، وهو كل يوم يزداد علما وقوة على طرق الاستفادة ، ويتنبه بمزايا جديدة ، ويتيقظ لطرق دقيقة في الانتفاع ، وفيهم الاقوياء وأولوا السطوة وارباب


--------------------------------------------------------------------------------

(125)
القدرة ، وفيهم الضعفاء ومن في رتبتهم ، وهو منشأ ظهور الاختلاف الاختلاف الفطري الذي دعت إليه قريحة الاستخدام ، كما دعت هذه القريحة بعينها إلى الاجتماع والمدنية.
ولا ضير في تزاحم حكمين فطريين ، إذا كان فوقهما ثالث يحكم بينهما ، ويعدل امرهما ، ويصلح شأنهما ، وذلك كالانسان تتسابق قواه في افعالها ، ويؤدي ذلك إلى التزاحم ، كما ان جاذبة التغذي تقضي بأكل ما لا تطيق هضمه الهاضمة ولا تسعه المعدة ، وهناك عقل يعدل بينهما ، ويقضي لكل بما يناسبه ، ويقدر فعل كل واحدة من هذه القوى الفعالة بما لا يزاحم الاخرى في فعلها.
والتنافي بين حكمين فطريين فيما نحن فيه من هذا القبيل ، فسلوك فطرة الانسان إلى المدنية ثم سلوكها إلى الاختلاف يؤديان إلى التنافي ، ولكن الله يرفع التنافي برفع الاختلاف الموجود ببعث الانبياء بالتبشير والانذار ، وانزال الكتاب الحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
وبهذا البيان يظهر فساد ما ذكره بعضهم : ان المراد بالآية ان الناس كانوا أمة واحدة على الهداية ، لان الاختلاف انما ظهر بعد نزول الكتاب بغيا بينهم ، والبغي من حملة الكتاب ، وقد غفل هذا القائل عن ان الآية تثبت اختلافين اثنين لا اختلافا واحدا ، وقد مر بيانه ، وعن ان الناس لو كانوا على الهداية فإنها واحدة من غير اختلاف ، فما هو الموجب بل ما هو المجوز لبعث الانبياء وانزال الكتاب وحملهم على البغي بالاختلاف ، واشاعة الفساد ، واثارة غرائز الكفر والفجور ومهلكات الاخلاق مع استبطانها؟ ويظهر به ايضا : فساد ما ذكره آخرون ان المراد بها ان الناس كانوا أمة واحدة على الضلالة ، إذ لولاها لم يكن وجه لترتب قوله تعالى : فبعث الله النبيين الخ ، وقد غفل هذا القائل عن ان الله سبحانه يذكر ان هذا الضلال الذي ذكره وهو الذي أشار إليه بقوله سبحانه : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، انما نشاء عن سوء سريرة حملة الكتاب وعلماء الدين بعد نزول الكتاب ، وبيان آياته للناس ، فلو كانوا على الضلالة قبل البعث والانزال وهي ضلالة الكفر والنفاق والفجور والمعاصي فما المصحح لنسبة ذلك إلى حملة الكتاب وعلماء الدين؟


--------------------------------------------------------------------------------

(126)
ويظهر به ايضا ما في قول آخرين ان المراد بالناس بنو اسرائيل حيث ان الله يذكر انهم اختلفوا في الكتاب بغيا بينهم ، قال تعالى : « فما اختلفوا الامن بعدما جائهم العلم بغيا بينهم » الجاثية ـ 16 ، وذلك أنه تفسير من غير دليل ، ومجرد اتصاف قوم بصفة لا يوجب انحصارها فيهم.
وأفسد من ذلك قول من قال : إن المراد بالناس في الآية هو آدم ( عليه السلام ) ، والمعنى ان آدم ( عليه السلام ) كان أمد واحدة على الهداية ثم اختلف ذريته ، فبعث الله النبيين الخ ، والآية بجملها لا تطابق هذا القول لا كله ولا بعضه.
ويظهر به ايضا فساد قول بعضهم : إن كان في الآية منسلخ عن الدلالة على الزمان كما في قوله تعالى : « وكان الله عزيزا حكيما » الفتح ـ 7 ، فهو دال على الثبوت ، والمعنى : ان الناس أمة واحدة من حيث كونهم مدنيين طبعا فإن الانسان مدني بالطبع لايتم حياة الفرد الواحد منه وحده ، لكثرة حوائجه الوجودية ، واتساع دائرة لوازم حياته ، بحيث لا يتم له الكمال إلا بالاجتماع والتعاون بين الافراد والمبادلة في المساعي ، فيأخذ كل من نتائج عمله ما يستحقه من هذه النتيجة ويعطي الباقي غيره ، ويأخذ بدله بقية ما يحتاج إليه ويستحقه في وجوده ، فهذا حال الانسان لا يستغني عن الاجتماع والتعاون وقتا من الاوقات ، يدل عليه ما وصل الينا من تاريخ هذا النوع الاجتماعي المدني وكونه اجتماعيا مدنيا لم يزل على ذلك فهو مقتضى فطرته وخلقته غير ان ذلك يؤدي إلى الاختلاف ، واختلال نظام الاجتماع ، فشرع الله سبحانه بعنايته البالغة شرائع ترفع هذا الاختلاف ، وبلغها إليهم ببعث النبيين مبشرين ومنذرين ، وإنزال الكتاب الحاكم معهم للحكم في موارد الاختلاف.
فمحصل المعنى ان الناس أمة واحدة مدنية بالطبع لاغنى لهم عن الاجتماع وهو يوجب الاختلاف ، فلذلك بعث الله الانبياء وانزل الكتاب.
ويرد عليه اولا : انه اخذ المدنية طبعا اوليا للانسان ، والاجتماع والاشتراك في الحياة لازما ذاتيا لهذا النوع ، وقد عرفت فيما مر ان الامر ليس كذلك ، بل امر تصالحي اضطراري ، وان القرآن ايضا يدل على خلافه.
وثانيا : ان تفريع بعث الانبياء وإنزال الكتب على مجرد كون الانسان مدنيا بالطبع غير مستقيم إلا بعد تقييد هذه المدنية بالطبع بكونها مؤدية إلى الاختلاف ،


--------------------------------------------------------------------------------

(127)
وظهور الفساد ، فيحتاج الكلام إلى التقدير وهو خلاف الظاهر ، والقائل مع ذلك لا يرضى بتقدير الاختلاف في الكلام.
وثالثا : أنه مبني على أخذ الاختلاف الذي تذكره الآية وتتعرض به اختلافا واحدا ، والآية كالنص في كون الاختلاف اختلافين اثنين ، حيث تقول : وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، فهو اختلاف سابق على الكتاب والمختلفون بهذا الاختلاف هم الناس ، ثم تقول وما اختلف فيه اي في الكتاب إلا الذين أوتوه أي علموا الكتاب وحملوه بغيا بينهم ، وهذا الاختلاف لاحق بالكتاب متأخر عن نزوله ، والمختلفون بهذا الاختلاف علماء الكتاب وحملته دون جميع الناس ، فأخذ الاختلافين غير الآخر : أحدهما اختلاف عن بغي وعلم ، والآخر بخلافه.
قوله تعالى : « فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين » الخ عبر تعالى بالبعث دون الارسال وما في معناه لان هذه الوحدة المخبر عنها من حال الانسان الاولي حال خمود وسكوت ، وهو يناسب البعث الذي هو الاقامة عن نوم أو قطون ونحو ذلك ، وهذه النكتة لعلها هي الموجبة للتعبير عن هؤلاء المبعوثين بالنبيين دون ان يعبر بالمرسلين أو الرسل ، على ان البعث وانزال الكتاب كما تقدم بيانه حقيقتهما بيان الحق للناس وتبنيهم بحقيقة أمر وجودهم وخحياتهم ، وإنبائهم انهم مخلوقون لربهم ، وهو الله الذي لا آله إلا الله ، وأنهم سالكون كادحون إلى الله يوم عظيم ، واقفون في منازل من منازل السير ، لاحقيقة له إلالعب وغرور ، فيجب أن يراعو ذالك في هذه الحياة وأفعالها ، وان يجعلو نصب اعينهم انهم من أين ، وهذا المعنى أنسب بلفظ النبي الذي معناه : من استقر عنده النبأ دون الرسول ، ولذالك عبر بالبنين ، وفي أسناد بعث النبيين إلى الله سبحانه دلالة على عصمة الانبياء في تلقيهم الوحى وتبليغهم الرسالة إلى الناس وسيجئ زيادة توضيح لهذا في اخر البيان ، وأما التبشير والانذار أي الوعد برحمة الله من رضوانه والجنة لمن اتقى ، والوعيد لعذاب الله سبحانه من سخطه والنار لمن گذب وعصى فهما أمس مراتب الدعوة بحال لغير ربهم من ثواب أو عقاب.
قوله تعالى : « وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفو فيه » ، الكتاب


--------------------------------------------------------------------------------

(128)
فعال بمعنى المكتوب ، والكتاب بحسب المتعارف من اطلاقه وان استلزم كتابه بالقلم لكن اكون العهود والفرامين المفترضة انما يبرم بالكتابة غالبا شاع اطلاقه على كل حكم مفروض واجب الا أو كل بيان بل كل معى لا يقبل النقض في أبرامه وقد كثر استعماله بهذا المعنى في آلقران ، وبهذا المعنى سمي آلقران كتاباوهو كلام ألهي ، قال تعالى : « كتاب انزلناه اليك مبارك » ص ـ 29 ، وقال تعالى : « ان الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا » النساء ـ 103 وفي قوله تعالى فيما اختلفوا فيه ، دلالة على ان المعنى : كان الناس امة واحدة فاختلفوا فبعث الله الخ كما مر.
واللام في الكتاب اما للجنس واما للعهد الذهني والمراد به كتاب نوح ( عليه السلام ) لقوله تعالى : « شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى » الشورى ـ 13 ، فإن الآية في مقام الامتنان وتبين ان الشريعة النازلة على هذه الامة جامعة لمتفرقات جميع الشرائع السابقة النازلة على الانبياء السالفين مع ما يختص بوحيه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فالشريعة مختصة بهؤلاء الانبياء العظام : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ولما كان قوله تعالى : وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه الآية يدل على ان الشرع إنما كان بالكتاب دلت الآيتان بالانضمام اولا : على ان لنوح ( عليه السلام ) كتابا متضمنا لشريعة ، وانه المراد بقوله تعالى :وانزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، إما وحدة أو مع غيره من الكتب بناء على كون اللام للعهد أو الجنس.
وثانيا : ان كتاب نوح أول كتاب سماوي متضمن للشريعة ، إذ لو كان قبله كتاب لكان قبله شريعة حاكمة ولذكرها الله تعالى في قوله : شرع لكم الآية.
وثالثا : ان هذا العهد الذي يشير تعالى إليه بقوله : « كان الناس أمة واحدة » الآية كان قبل بعثة نوح ( عليه السلام ) وقد حكم فيه كتابه ( عليه السلام ).
قوله تعالى : « وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغيا بينهم » ، قد مر أن المراد به الاختلاف الواقع في نفس الدين من حملته ، وحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه قوله تعالى : « فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها » الروم ـ 30 ،


--------------------------------------------------------------------------------

(129)
الله سبحانه الاختلاف الواقع فيه إلى البغي.
وفي قوله تعالى : إلا الذين أوتوه ، دلالة على ان المراد بالجملة هو الاشارة إلى الاصل في ظهور الاختلاف الديني في الكتاب لا أن كل من انحرف عن الصراط المستقيم أو تدين بغير الدين يكون باغيا وإن كان ضالا عن الصراط السوي ، فإن الله سبحانه لا يعذر الباغي ، وقد عذر من اشتبه عليه الامر ولم يجد حيلة ولم يهتد سبيلا ، قال تعالى : « انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق أولئك لهم عذاب اليم » الشورى ـ 42 ، وقال تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ـ إلى أن قال ـ : « وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم » التوبة ـ 106 ، وقال تعالى : « إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا » النساء ـ 99.
على أن الفطرة لا تنافي الغفلة والشبهة ، ولكن تنافي التعمد والبغي ، ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له الآيات الالهية ، قال تعالى : « والذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون » البقرة ـ 39 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقد قيد الكفر في جميعها بتكذيب آيات الله ثم أوقع عليه الوعيد ، وبالجملة فالمراد بالآية أن هذا الاختلاف ينتهي إلى بغي حملة الكتاب من بعد علم.
قوله تعالى : « فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بيان لما اختلف فيه وهو الحق الذي كان الكتاب نزل بمصاحبته » ، كما دل عليه قوله تعالى : وأنزل معهم الكتاب بالحق ، وعند ذلك عنت الهداية الالهية بشأن الاختلافين معا : الاختلاف في شأن الحياة ، والاختلاف في الحق والمعارف الالهية الذي كان عامله الاصلي بغى حملة الكتاب ، وفي تقييد الهداية بقوله تعالى : بإذنه دلالة على أن هداية الله تعالى لهؤلاء المؤمنين لم تكن إلزاما منهم ، وايجابا على الله تعالى ان يهديهم لايمانهم ، فإن الله سبحانه لا يحكم عليه حاكم ، ولا يوجب عليه موجب إلا ما أوجبه على نفسه ، بل كانت الهداية بإذنه تعالى ولو شاء لم يأذن ولم يهد ، وعلى هذا فقوله تعالى : والله يهدي من يشاء إلى


--------------------------------------------------------------------------------

(130)
صراط مستقيم بمنزلة التعليل لقوله بإذنه ، والمعنى إنما هداهم الله بإذنه لان له أن يهديهم وليس مضطرا موجبا على الهداية في مورد أحد ، بل يهدي من يشاء ، وقد شاء أن يهدي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم.
وقد تبين من الآية اولا : حد الدين ومعرفه ، وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا يتضمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الاخروي ، والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه ، فلا بد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الاحتياج.
وثانيا : أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعا للاختلاف الناشي عن الفطرة ثم استكمل رافعا للاختلاف الفطري وغير الفطري معا.
وثالثا : أن الدين لا يزال يستكمل حتى يستوعب قوانينه جهات الاحتياج في الحياة ، فإذا استوعبها ختم ختما فلا دين بعده ، وبالعكس إذا كان دين من الاديان خاتما كان مستوعبا لرفع جميع جهات الاحتياج ، قال تعالى : « ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين » الاحزاب ـ 40 ، وقال تعالى : « ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ » النحل ـ 89 ، وقال تعالى : « وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه » حم السجدة ـ 42.
ورابعا : أن كل شريعة لاحقة أكمل من سابقتها.
وخامسا : السبب في بعث الانبياء وإنزال الكتب ، وبعبارة أخرى العلة في الدعوة الدينية ، وهو أن الانسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الاختلاف كما أنه سالك نحو الاجتماع المدني ، وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلى الاختلاف لم تتمكن من رفع الاختلاف ، وكيف يدفع شيء ما يجذبه به إليه نفسه ، فرفع الله سبحانه هذا الاختلاف بالنبوة والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم ، وهذا الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والايجاد فما هو مقدمته كذلك ، وقد قال تعالى : « الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى » طه ـ 50 ، فبين أن من شأنه وأمره تعالى أن يهدي كل شيء إلى ما يتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الانسان أن يهتدي إلى كمال وجوده في الدنيا والآخرة ، وقد قال تعالى أيضا : « كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا » الاسراء ـ 20 ، وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى هو الامداد بالعطاء : يمد


--------------------------------------------------------------------------------

(131)
كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده ، ويعطيه ما يستحقه ، وأن عطائه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالى إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه ، من قبل نفسه لا من قبله تعالى.
ومن المعلوم أن الانسان غير متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه فإن فطرته هي المؤدية إلى هذه النقيصة فكيف يقدر على تتميمها وتسوية طريق السعادة والكمال في حياته الاجتماعية؟.
وإذا كانت الطبيعة الانسانية هي المؤدية إلى هذا الاختلاف العائق للانسان عن الوصول إلى كماله الحري به وهي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصلاح ما أفسدته ، فالاصلاح ( لو كان ) يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة ، وهي الجهة الالهية التي هي النبوة بالوحي ، ولذا عبر تعالى عن قيام الانبياء بهذا الاصلاح ورفع الاختلاف بالبعث ولم ينسبه في القرآن كله إلا إلى نفسه مع ان قيام الانبياء كسائر الامور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانية والمكانية.
فالنبوة حالة إلهية ( وإن شئت قل غيبية ) نسبتها إلى هذه الحالة العمومية من الادراك والفعل نسبة اليقظة إلى النوم بها يدرك الانسان المعارف التي بها يرتفع الاختلاف والتناقض في حياة الانسان ، وهذا الادراك والتلقي من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي ، والحالة التي يتخذها الانسان منه لنفسه بالنبوة.
ومن هناك يظهر أن هذا أعني تأدية الفطرة إلى الاجتماع المدي من جهة وإلى الاختلاف من جهة أخرى ، وعنايته تعالى بالهداية إلى تمام الخلقة مبدء حجة على وجود النبوة وبعبارة أخرى دليل النبوة العامة.
تقريره : أن نوع الانسان مستخدم بالطبع ، وهذا الاستخدام الفطري يؤديه إلى الاجتماع المدني وإلى الاختلاف والفساد في جميع شئون حياته الذي يقضي التكوين والايجاد برفعه ولا يرتفع إلا بقوانين تصلح الحياة الاجتماعية برفع الاختلاف عنها ، وهداية الانسان إلى كماله وسعادته بأحد أمرين : إما بفطرته وإما بأمر ورائه لكن الفطرة غير كافية فإنها هي المؤدية إلى الاختلاف فكيف ترفعها؟ فوجب أن يكون بهداية من غير طريق الفطرة والطبيعة ، وهو التفهيم الالهي غير الطبيعي المسمى


--------------------------------------------------------------------------------

(132)
بالنبوة والوحي ، وهذه الحجه مؤلفة من مقدمات مصرح بها في كتاب الله تعالى كما عرفت فيما تقدم ، وكل واحدة من هذه المقدمات تجربية ، بينتها التجربة للانسان في تاريخ حياته واجتماعاته المتنوعة التي ظهرت وانقرضت في طي القرون المتراكمة الماضية ، إلى أقدم أعصار الحياة الانسانية التي يذكرها التاريخ.
فلا الانسان انصرف في حين من احيان حياته عن حكم الاستخدام ، ولا استخدامه لم يؤد إلى الاجتماع وقضى بحياة فردية ، ولا اجتماعه المكون خلا عن الاختلاف ، ولا الاختلاف ارتفع بغير قوانين اجتماعية ، ولا ان فطرته وعقله الذي يعده عقلا سليما قدرت على وضع قوانين تقطع منابت الاختلاف وتقلع مادة الفساد ، وناهيك في ذلك : ما تشاهده من جريان الحوادث الاجتماعية ، وما هو نصب عينيك من انحطاط الاخلاق وفساد عالم الانسانية ، والحروب المهلكة للحرث والنسل ، والمقاتل المبيدة للملائين بعد الملائين من الناس ، وسلطان التحكم ونفوذ الاستعباد في نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم في هذا القرن الذي يسمى عصر المدنية والرقى والثقافة والعلم ، فما ظنك بالقرون الخالية ، أعصار الجهل والظلمة؟.
وأما أن الصنع والايجاد يسوق كل موجود إلى كماله اللائق به فأمر جار في كل موجود بحسب التجربة والبحث ، وكذا كون الخلقة والتكوين إذا اقتضى أثرا لم يقتض خلافه بعينه أمر مسلم تثبته التجربة والبحث ، وأما أن التعليم والتربية الدينيين الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران على دفع هذا الاختلاف والفساد فأمر يصدقه البحث والتجربة معا : أما البحث : فلان الدين يدعو إلى حقائق المعارف وفواضل الاخلاق ومحاسن الافعال فصلاح العالم الانساني مفروض فيه ، وأما التجربة : فالاسلام أثبت ذلك في اليسير من الزمان الذي كان الحاكم فيه على الاجتماع بين المسلمين هو الدين ، وأثبت ذلك بتربية أفراد من الانسان صلحت نفوسهم ، وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس ، على أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الاجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة التقدم الاسلامي وسريانه في العالم الدنيوي على ما يعطيه التجزية والتحليل من غير شك ، وسنستوفي البحث عنه إنشاء الله في محل آخرأليق به.
وسادسا : أن الدين الذي هو خاتم الاديان يقضي بوقوف الاستكمال الانساني ،


--------------------------------------------------------------------------------

(133)
قضاء القرآن بختم النبوة وعدم نسخ الدين وثبات الشريعة يستوجب أن الاستكمال الفردي والاجتماعي للانسان هو هذا المقدار الذي اعتبره القرآن في بيانه وتشريعه.
وهذا من ملاحم القرآن التي صدقها جريان تاريخ الانسان منذ نزول القرآن إلى يومنا هذا في زمان يقارب أربعة عشر قرنا تقدم فيها النوع في الجهات الطبيعي من اجتماعه تقدما باهرا ، وقطع بعدا شاسعا غير أنه وقف من جهة معارفه الحقيقية ، وأخلاقه الفاضلة موقفة الذي كان عليه ، ولم يتقدم حتى قدما واحدا ، أو رجع اقداما خلفه القهقري ، فلم يتكامل في مجموع كماله من حيث المجموع أعني الكمال الروحي والجسمي معا.
وقد اشتبه الامر على من يقول : إن جعل القوانين العامة لما كان لصلاح حال البشر وإصلاح شأنه وجب أن تتبدل بتبدل الاجتماعيات في نفسها وارتقائها وصعودها مدارج الكمال ، ولاشك أن النسبة بيننا وبين عصر نزول القرآن ، وتشريع قوانين الاسلام أعظم بكثير من النسبة بين ذلك العصر وعصر بعثة عيسى ( عليه السلام ) وموسى ( عليه السلام ) فكان تفاوت النسبة بين هذا العصر وعصر النبي موجبا لنسخ شرائع الاسلام ووضع قوانين أخر قابلة الانطباق على مقتضيات العصر الحاضر.
والجواب عنه : أن الدين كما مر لم يعتبر في تشريعه مجرد الكمال المادي الطبيعي للانسان ، بل اعتبر حقيقة الوجود الانساني ، وبني أساسه على الكمال الروحي والجسمي معا ، وابتغى السعادة المادية والمعنوية جميعا ، ولازم ذلك أن يعتبر فيه حال الفرد الاجتماعي المتكامل بالتكامل الديني دون الفرد الاجتماعي المتكامل بالصنعة والسياسة ، وقد اختلط الامر على هؤلاء الباحثين فإنهم لولوعهم في الابحاث الاجتماعية المادية ( والمادة متحولة متكاملة كالاجتماع المبني عليها ) حسبوا أن الاجتماع الذي اعتبره الدين نظير الاجتماع الذي اعتبروه اجتماع مادي جسماني ، فحكموا عليه بالتغير والنسخ حسب تحول الاجتماع المادي ، وقد عرفت أن الدين لا يبني تشريعه على أساس الجسم فقط ، بل الجسم والروح جميعا ، وعلى هذا يجب أن يفرض فرد ديني أو اجتماع ديني جامع للتربية الدينية والحياة المادية التي سمحت به دنيا اليوم ثم لينظر هل يوجد عنده شيء من النقص المفتقر إلى التتميم ، والوهن المحتاج إلى التقوية؟.
وسابعا : أن الانبياء ( عليهم السلام ) معصومون عن الخطاء.


--------------------------------------------------------------------------------

(134)
( كلام في عصمة الانبياء )
توضيح هذه النتيجة : أن العصمة على ثلاثة أقسام : العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي ، والعصمة عن الخطأ في التبليغ والرسالة ، والعصمة عن المعصية وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة مولوية ، ويرجع بالاخرة إلى قول أو فعل ينافي العبودية منافاه ما ، ونعني بالعصمة وجود أمر في الانسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ أو المعصية.
وأما الخطأ في غير باب المعصية وتلقي الوحي والتبليغ ، وبعبارة أخرى في غير باب أخذ الوحي وتبليغه والعمل به كالخطأ في الامور الخارجية نظير الاغلاط الواقعة للانسان في الحواس وإدراكاتها أو الاعتباريات من العلوم ، ونظير الخطأ في تشخيص الامور التكوينية من حيث الصلاح والفساد والنفع والضرر ونحوها فالكلام فيها خارج عن هذا المبحث.
وكيف كان فالقرآن يدل على عصمتهم ( عليهم السلام ) في جميع الجهات الثلاث :
أما العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة : فيدل عليه قوله تعالى في الآية : فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جائتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فإنه ظاهر في أن الله سبحانه إنما بعثهم بالتبشير والانذار وانزال الكتاب ( وهذا هو الوحي ) ليبينوا للناس الحق في الاعتقاد والحق في العمل ، وبعبارة أخرى لهداية الناس إلى حق الاعتقاد وحق العمل ، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم ، وقد قال تعالى : « لا يضل ربي ولا ينسى » طه ـ 52 ، فبين أنه لا يضل في فعله ولا يخطئ في شأنه فإذا أراد شيئا فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ ، وإذا سلك بفعل إلى غاية فلا يضل في سلوكه ، وكيف لا وبيده الخلق والامر وله الملك والحكم ، وقد بعث الانبياء بالوحي إليهم وتفهيمهم معارف الدين ولابد أن يكون ، وبالرسالة لتبليغها للناس ولابد أن يكون ! وقال تعالى ايضا : « إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا » الطلاق ـ 3 ، وقال ايضا : « والله غالب على أمره » يوسف ـ 21.


--------------------------------------------------------------------------------

(135)
ويدل على العصمة عن الخطأ أيضا قوله تعالى : « عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا » الجن ـ 28 ، فظاهره أنه سبحانه يختص رسله بالوحي فيظهرهم ويؤيدهم على الغيب بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم ، والاحاطة بما لديهم لحفظ الوحي عن الزوال والتغير بتغيير الشياطين وكل مغير غيرهم ، ليتحقق إبلاغهم رسالات ربهم ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن قول ملائكة الوحي « وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا » مريم ـ 64 ، دلت الآيات على أن الوحي من حين شروعه في النزول إلى بلوغه النبي إلى تبليغه للناس محفوظ مصون عن تغيير أي مغير يغيره.
وهذان الوجهان من الاستدلال وإن كانا ناهضين على عصمة الانبياء ( عليهم السلام ) في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة فقط دون العصمة عن المعصية في العمل على ما قررنا ، لكن يمكن تتميم دلالتهما على العصمة من المعصية أيضا بأن الفعل دال كالقول عند العقلاء فالفاعل لفعل يدل بفعله على أنه يراه حسنا جائزا كما لو قال : إن الفعل الفلاني حسن جائز فلو تحققت معصية من النبي وهو يأمر بخلافها لكان ذلك تناقضا منه فأن فعله يناقض حينئذ قوله فيكون حينئذ مبلغا لكلا المتناقضين وليس تبليغ المتناقضين بتبليغ للحق فإن المخبر بالمتناقضين لم يخبر بالحق لكون كل منهما مبطلا للآخر فعصمة النبي في تبليغ رسالته لا تتم إلا مع عصمته عن المعصية وصونه عن المخالفة كما لا يخفى.
ويدل على عصمتهم مطلقا قوله تعالى : « أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده » الانعام ـ 90 ، فجميعهم ( عليهم السلام ) كتب عليهم الهداية ، وقد قال تعالى : « ومن يضلل الله فماله من هاد ومن يهدي الله فما له من مضل » الزمر ـ 37.
وقال تعالى : « من يهد الله فهو المهتد » الكهف ـ 17 ، فنفى عن المهتدين بهدايته كل مضل يؤثر فيهم بضلال ، فلا يوجد فيهم ضلال ، وكل معصية ضلال كما يشير إليه قوله تعالى : « ألم أعهد اليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا » يس ـ 62 ، فعد كل معصية ضلالا حاصلا بإضلال الشيطان بعد ما عدها عبادة للشيطان فإثبات هدايته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shadow
عضو vip
عضو vip
shadow


ذكر
عدد المساهمات : 3980
نقاط : 3981
تاريخ التسجيل : 11/12/2014
العمر : 25

( الانسان بعد الدنيا ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: ( الانسان بعد الدنيا )   ( الانسان بعد الدنيا ) Emptyالأربعاء 10 يوليو 2019 - 9:56

جزاك الله خيراً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
( الانسان بعد الدنيا )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دار الدنيا و دار الآخرة
» حقيقة الانسان
» حقوق الانسان
» إن ضاقت بك الدنيا
» علامات الموت علي الانسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شنواى  :: القسم العام والإسلامى :: المكتبــة الإسلاميـــة-
انتقل الى: