لماذا ليله القدر خير من الف شهر

سبقني الكثيرين في الكتابة عن ليلة القدر وميزاتها ومميزاتها ومواعيدها وعلاماتها ..الخ.

وأنا لن أكرّر ما قاله غيري .. أنا سأضيف هنا فقط سبب ذكر أنها خير من ألف شهر

* * * * *

إحترت كثيرا في محاولة فهم السبب الذي يجعل علماء المسلمين يلفون ويدورون حول موضوع الألف شهر المذكور في سورة القدر، ولا يحاول أحد منهم البحث والتعمّق لمعرفة سبب هذه المقارنة. فالقول بأنّ ليلة القدر خير من ألف شهر لأنها الليلة التي نزل فيها القرآن قد يثير تساؤلا: ولماذا ألف شهر بالذات؟ ولماذا لم يكونا مائة؟ ولماذا لم يكونوا ألف سنة؟ ألا تستحق هذه الليلة أن تساوى بألف بل بمليون سنة؟
إذن تحديد الألف شهر لم يكن عشوائيا ولا لمجرّد ضبط قافية بيت من الشعر أو جملة من النثر، وإنّما هو كلام الله سبحانه والذي لا توجد فيه كلمة إلا ووراءها سبب.

وقد بحثت في هذا الموضوع وهنا خلاصة ما توصّلت إليه، والبحث أكبر من ذلك ولكنّي أفضل اختصاره حتى يسهل استيعابه.


عندما ذهب موسى عليه السلام باحثا عن العبد الصالح (الخضر) كان معه فتى صغيرا كان تابعا له ومعاونا، (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين - حيث يجد العبد الصالح - أو أمضي حقبا "سورة الكهف").
ذلك الفتى كان يوشع ابن نون من بني إسرائيل وتبع موسى عليه السلام حتّى مماته في سيناء. وكان مؤمنا شديد الإيمان بالله وكان مصدّقا لموسى ولم يتخاذل عنه مرّة واحدة وظلّ على إخلاصه له حتى وقت غيابه في الطور وحيث انقلب عليه بني إسرائيل واتّخذوا العجل من بعده بما فيهم أخاه هارون.

وعندما أمر الله موسى أن يذهب مع قومه لفتح البلد التي سيذهب إليها بني إسرائيل في شمال سيناء بعد أن وعدهم الله بها، قال له بني إسرائيل: إذهب أنت وربّك فقاتلا، إنّا ههنا قاعدون.

وكما جاء في التوراة أنّ الله غضب على بني إسرائيل نتيجة لذلك وحكم عليهم بأن لا يرى أحدا من بني إسرائيل الذين عاشوا في مصر وعبروا مع موسى إلى سيناء أرض الميعاد ولا يطئوها بقدمهم بما فيهم موسى عليه السلام.

ولذلك عاقبهم الله بالتيه في صحراء سيناء 40 عاما حتّى يموت كلّ كبارهم الذين عبروا مع موسى من مصر إلى سيناء ولا يبقى سوى الشباب الذين ولدوا في سيناء حتّى لا يتأثروا بأحد من الشيوخ حتّى الذين استمروا منهم على دعوة موسى عليه السلام ولم يخالفوه.
وكان يوشع ابن نون هو أكثر أتباع موسى إيمانا وصلابة ونجح في النهاية أن يقود بني إسرائيل لفتح أوّل مدينة في شمال سيناء ومن بعدها باقي المدن في حرب طويلة استمّرت أعواما.

وبعد أن جاءت رسالة الإسلام، وعندما أسري برسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم وصعد إلى السموات العلا، شاهد يوشع ابن نون والذين اتّبعوه وعلم أنّه من المكّرمين لأنه جاهد في سبيل الله 80 عاما. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الله أن يطيل في جهاد المسلمين 80 عاما كي يصلوا لنفس منزلة يوشع بن نون.

ولذلك أنزل الله سورة القدر ليقول للرسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ ليلة نزول القرآن (كلّ ليلة نزل فيها القرآن في رمضان) خير من الجهاد 80 عاما (ألف شهر). أي أنّ الجهاد في ليلة واحدة من شهر رمضان يساوي جهاد ألف شهر، ومن هنا نرى أنّ كلّ غزوات المسلمين بعد ذلك التاريخ كانت دائما في شهر رمضان.


والله اعلي وأعلم