منتدى شنواى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة شنواىأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أشرف على
admin

admin
أشرف على


ذكر
عدد المساهمات : 27639
نقاط : 60776
تاريخ التسجيل : 04/09/2009
الموقع : http://elawa2l.com/vb

الأوسمة
 :
11:

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالجمعة 27 أبريل 2012 - 4:34

تعد الأساطير فتحاً حديثاً نسبياً بالنسبة للباحث المقارن. وذلك على عكس الموضوعات والصور. فمنذ نصف قرن يجري الحديث عن " دون جوان " بوصفها أسطورة خرافية أكثر من كونها أسطورة :‏

لم يخرج الأدب المقارن عن الطريق الذي خطه الفولكلوريون، الذي يهتمون بدراسة الحكايات، والأساطير الخرافية، والأساطير.‏

ويفرد كتاب " تاريخ الأساطير الخرافية (1) مكانة هامة لأسطورتي فاوست ودون جوان اللتين أصبحتا دعامتين من دعامات " علم الأسطورة المقارن " ربما تفسر هذه الإضافة الجديدة ما يسميه بيير برونيل في مقدمة عمله " قاموس الأساطير " (2) " غموض المصطلح الذي لايمكن توضيحه، أبداً، بصورة كاملة "‏

ومماله مغزى أن كتاب بيشوا - روسو وضع تحت عنوان " علم الموضوعات " بعض الموضوعات الخيالية مثل العجائب الفولكلورية، والخيال الكتبي والأساطير) التي تتعارض مع مجموعة ثانية من الموضوعات " الواقعية "، المؤلفة من " نماذج نفسية واجتماعية "، و " شخصيات أدبية "، و " أشياء ومواقف ".‏

على كل حال " الباحث المقارن هنا في بيته " (3) . ويجب ألا نسخر من هذا البيت ذي الجدران المتحركة. مع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه أمكن الحديث عن " موضوعات أسطورية ". وبقي ريمون تروسون مبتكر هذا التركيب متردداً بين الموضوعات والأساطير بين عامي 1965-1981، إلى أن استطاع أخيراً التمييز بينهما.‏

يصف إيف شيفريل، من جهته، أوديب، ودون جوان، وبروميثيوس، وفيرتر بأنهم " رموز أسطورية " من المؤكد أن الأسطورة تتداخل مع الموضوع، والفاعل، والدافع، والصورة، والرمز، والنموذج. ومن المؤكد أيضاً، مثلما يذكر بيير برونيل، أنه لابد للأدب المقارن من أن يعيد النظر في مصطلحاته، من وقت لآخر، بغية تنقيتها. ولكن غالباً ما تخفي قضايا المصطلح مشاكل في المنهج. تعد الموضوعات، والأساطير، والصور، والشخصيات، والدوافع جزءاً من كلٍ هو النص.‏

إن كل أسطورة " موضوع " لنص معين، بالمعنى الواسع للكلمة، ولكن ليس كل موضوع أسطورة، على الرغم من أن الموضوعات والأساطير تدخل في بنية النص. من هنا يأتي سؤال مزدوج : ما هي الأسطورة الأدبية؟ وماذا تعني الأسطورة بالنسبة للأدب المقارن؟‏

- من الأسطورة إلى الأسطورة الأدبية :‏

يهتم بالأسطورة كل من علماء الفولكلور، وعلماء الإناسة، ومؤرخي الديانات، وعلماء الاجتماع. وهم يعطونها، عمداً، دلالات تنتقص من قيمتها الأساطير الدعائية). تمكن رولان بارت، في كتابه " علم الأساطير " (4) من القيام بعدة دراسات حول الخيال في فرنسا بين عامي 50-60. هناك أيضاً الأسطورة " البدائية " عند علماء السلالات وعلماء الإناسة، والتي لايمكن إغفالها في مجال الأدب، لأن الحديث سيتناول " الموقف الجوهري "، أو " الموقف الإنساني النموذجي عند جماعة معينة " (5) قد يكون مغرياً الحديث عن " مواقف جوهرية " في قضية التحالف مع الشيطان في " فاوست "، أو العقاب في " دون جوان "، أو التضحية في " إيفجيني "، أو السخرية من الموت في " دون جوان أو أنتيغون ". وقد يدرس الأديب أوالباحث المقارن، إذن، مخططات أساسية، وذلك لأنها حكايات خرافية أولاً تكون معدة مسبقاً عند لحظة ظهور النسخ الأدبية الأولى. وتوجد هذه المخططات في نص تاريخي، وتكتب بكلمات مختلفة بين ثقافة وأخرى، ومن عصر لآخر : وهنا نرى التشابه مع الموضوع والاختلاف الذي يبدو أنه يحمل على الميزة الثابتة أو " البيانية " للمادة المستخدمة. لأن الأسطورة والموضوع والصورة المقارنة مواد يتم من خلالها إعداد النصوص التي يدرسها المقارنون : لا تنفصل هذه الأشياء عن " مادة النصوص " استطاع علماء القرون الوسطى الحديث عن " مادة بريطانيا " في الروايات الأرثورية). لكننا نعلم أن لا وجود لمادة دون شكل ولا شكل دون مادة) وربما يجد هذا التأثير المتبادل حلاً أصيلاً وفعالاً مع الأسطورة، على الرغم من كون هذا التأثير واضحاً وصعباً على الدراسة في الوقت نفسه‏

- من الأسطورة السلالية - الدينية إلى الأسطورة الأدبية :‏

يمكن اعتبار الانتقال من الأساطير البدائية، مادة الأديان والمعتقدات، إلى الأدب على أنه تطور يوضح الانتقال من القدسي إلى الدنيوي.‏

- من القدسي إلى الدنيوي.‏

لقد تعرفنا على محوري فكر ميرسيا إلياد (6) . ويمكن أن نذكر أيضاً دونيس دو روجمونت (7) ، وك. ليفي - شتراوس الذي يرى في الأسطورة المنتقلة إلى الأدب، على أنها " آخر همسة في البنية المنتهية ". في المقابل، نكتشف مع بيير برونيل الدور الأساسي الذي يؤديه كل من الأدب والفنون والسينما في أيامنا الحاضرة) :‏

وهو دور " المحافظ على الأساطير ". استطاعت الأسطورة الاستمرار في الحياة لأنها " تغلفت بالأدب ". لكن الأسطورة " الأدبية" تضفي على الأسطورة البدائية دلالات جديدة. يقول بيير برونيل إنه لا وجود للأسطورة الأدبية قط دون " تقمص يحييها في عصر تكون قادره فيه على " التعبير الأمثل عن مشاكله الخاصة " (8)‏

الدعوة توجه هنا للقيام بدراسة مقارنة تتناول كل ما طرأ على الاساطير القديمة من استخدامات جديدة وتغيرات وظهور وغياب من عصر لآخر في أعمال بعض الكتاب، مثلما يجب دراسة أسباب الغياب الفجائي لهذه الأساطير، والاقتباس الاستثنائي الذي تتعرض له. بالنسبة للأدب ولخياله، تعد الاسطورة تاريخاً ديناميكياً ونموذجياً جماعياً مثلما هو فردي أيضاً.‏

- بعض الاختلافات الأساسية :‏

عرض فيليب سيللييه بعض الاختلافات الأساسية بين الأسطورة السلالية - الدينية والأسطورة الأدبية أدب، 1984).‏

1- تعد الأسطورة " السلالية - الدينية " قصة تأسيسية، مجهولة، وجماعية، وتؤخذ على أنها حقيقة، لكن عند تحليلها تظهر تناقضات بنيوية صارخة. وعندما تنتقل هذه الأسطورة إلى الأدب، فإنها تحتفظ " بالطابع الرمزي " والتنظيم الصارم، والإضاءة الميتافيزيقية، لكنها تفقد طابعها التأسيسي والحقيقي ويظهر اسم الكاتب عليها.‏

2- هناك أساطير أخرى، قصص نموذجية، وليدة الأدب : مثل تريستان وإيزو، وفاوست، ودون جوان، وهناك في الأدب أيضاً " عناصر أسطورية"، مثل شراب ميديه، والتحالف مع الشيطان في فاوست، أو التمثال الحجري في دون جوان.‏

3- يضاف إلى ذلك تجليات أدبية أخرى للأسطورة، يمكن اعتبارها، بشيء من التحفظ، أساطير أدبية : كأساطير المدن مثل البندقية التي لا يبدو أنها تنتج موقفاً متطوراً في السرد. مع ذلك، نلاحظ أنه عندما اقترنت البندقية بالموت من خلال تطورات تاريخية وثقافية في الأدب معقدة ومتعاقبة )، أصبحنا أمام مخطط أولي لقصة تاريخية، لا بل أمام سيناريو لتاريخ معين.‏

ويذكر فيليب سيللييه أيضاً الأساطير " السياسية - البطولية " مثل الاسكندر، وقيصر، ولويس الرابع عشر، ونابليون) حيث إمكانيات السرد فيها غير محدودة، وحيث كتابة الأسطورة تذكّر بتطور الملحمة، وأخيراً الأساطير المصاحبة للأناجيل الغوليم (9) ، واليهودي الضال، ونهر ليتيه (10) )، التي تفترض هنا أيضاً صياغتها في إطار قصة أصيلة. يعيد بيير برونيل أخذ هذه الأصناف ويضيف عليها الصنف الذي قدمه أندريه دابزي في أعماله : الاسطورة إيضاح لموقف إنساني نموذجي، و " الصور - القوى " عند علماء الاجتماع التقدم، العِرْق، الآلة )، التي أثبتت، في الواقع، أنها " قادرة على ممارسة سحر جماعي شبيه بسحر الأساطير البدائية ".‏

ولذلك، إذا أصبحت مثل هذه الشخصية التاريخية أسطورية، وإذا بدا نابليون " كآخيل جديد، أوبروميثيوس آخر، أوغول كورسيكا " فإن المهم هوالمغزى في الضمير العام. فالأساطير هي " كل ما حوله الأدب إلى أساطير " بيير برونيل). وربما يمكننا التحديد أكثر فنقول : إنها كل ما استطاعت ثقافة معينة أو أرادت تحويله إلى أسطورة.‏

الأَسْطَرَة جعل الشيء أسطورياً).‏

تذكّر هذه الفكرة بفكرة " الموضعة " تحويل الشيء إلى موضوع )، وتعني تطور دخول مادة معينة في أدب ثم في نص معين. وتسمح بالإمساك بالأسطورة الأدبية في صيرورتها الدائمة التي تصبح موضوع دراسة. الأسطورة بالنسبة للأدب، " نص أولي " أو نص تمهيدي، مستوحى، في حالة الأساطير القديمة، من التراث الشفوي وهي، كما يقول الاختصاصيون، "نص - سلالي " )، مثلما أنها تاريخ يدخل في الأدب. فمثلاً كان أورفي ونابليون في البداية، " نصوصاً - أولية " قبل أن يصبحا أوبرا عند مونتيفيردي، ورواية عند تولستوي. وأدت الرواية والأوبرا إلى زيادة الأسطرة أو التقليد الأسطوري. هل تصبح الأسطورة موضوعاً ناجحاً مثل بعض الكلمات والنماذج والصور التي تحولت إلى سيناريو، مثلما رأينا في الفصل الرابع)؟ وإذا كان الحال كذلك، هل نعزو هذا التحول الأسطرة) إلى طبيعة الأسطورة يمكن لأجيال متعددة أن تعيد أخذ حكاية معينة لأنها تحمل معاني مختلفة )، أو إلى الوظيفة التي تشغلها تستطيع الحكاية أن تمتلك علاقات مع المجتمع من خلال قيمتها النموذجية والتفسيرية، مثلما فعلت الأساطير القديمة التي أسست ديناً، وهذه الكلمة مشتقة من الرابطة) وماذا لو كان من طبيعة الأسطورة نفسها أدبية أم لا) أن يكون لها هذه الوظيفة الخاصة؟‏

- من ميثيولوجيا إلى أخرى.‏

سننطلق من مقالة صغيرة كتبها جاك بومبير الباحث المهتم بشؤون الإغريق، حيث درس الأسطورة مثلما ظهرت في كتاب " الشعرية " لأرسطو، على ضوء المنهج البنيوي الذي حدده جان بياجيه (11)‏

- الأسطورة كبنية.‏

حافظت الأسطورة على ثلاث سمات من " البنية " استخرجها جان بياجيه : الشمول، والتحول، والتنظيم الذاتي. بالنسبة لأرسطو، الأسطورة تركيب، وتنظيم يقوم على الوحدة العضوية. مع ذلك، شهدت عدة تحولات، ويمكن لمضمونها أن يتغير، ويمكن القول أيضاً إن هذا المضمون هو حركة بصورة أساسية. لكن الأسطورة تضبط ذاتها بصورة تجعلها أقرب إلى المحافظة على بنيتها الأساسية لذا لابد للعناصر اللازمة لبنائها من الاستمرار : وإلا فإن البنية تزول وتترك مكانها لبنية أخرى. الأسطورة نظام، وكتلة متجانسة وديناميكية تتطور وفق ضرورات، ومقاييس داخلية خاصة. هنا نجد الأدب، أو بالأحرى الشاعر في مواجهة مأزق أشار إليه أرسطو الشعرية، 14، 1453 ب) : إذ لا يمكنه تغيير الأساطير الموروثة، ومع ذلك عليه أن يثبت براعته في الإبداع. وهذا مبدأ في منتهى الديناميكية أو الجدلية) للمحاكاة التي لا تندمج مع التقليد، ونكتشف أن الأسطورة تقدم على طريقتها، نوعاً من الخيال المراقب. ويحضر في ذهننا الآن النص " المبرمج " إلى حد ما الذي له علاقة بالصورة. فالأسطورة بالنسبة للأدب قصة مبرمجة، أونص أولي. يتحدث أندريه سيغانوس عن " الحد الأدني من التركيب التعبيري للأسطورة " الذي لولاه لايمكن أن يوجد تنظيم بنيوي من أجل تشكيل الأسطورة أوالاعتراف بها كأسطورة ضمن قصة أعاد تناولها الأدب المينوثور (12) و أسطورته، P.U.F 1993) يوجد نوع من المنطق في الأسطورة يجب التقيد به في الصياغات الأسطورية) الأخرى، التي لايمكنها أن تصل إلى حد مناقضة النص الأصلي : يلاحظ أن دون جوان قد أنقذ ولم يعاقب، مثلما أنقذت إيفيجيني ولم تترك لمصيرها. ولكن المخطط المعكوس، أو التحريف الساخر، يفترضان وجود المخطط المستخدم كنموذج ومعرفته.‏

- الأسطورة كتاريخ :‏

منذ متى نستطيع الحديث عن أسطورة نابليون؟ عندما تحل قصة ثانية مكان القصة الحقيقية ضمن حكاية مبنية :" الأسطورة الخرافية " للأمبراطور، والسجلات المشهورة للأمبراطورية. وتعتمد القصة الثانية على أساطير موجودة مسبقاً ضرورية لأسطرتها، مثلما أظهر جان تولار (13) : هناك إمكانية للمقارنة بين " قدر" نابليون وشخصية المسيح، والاقتراب من أسطورة بروميثيوس، والتطفل على نموذج الغول. وهكذا تتحول شخصية نابليون إلى رمز أسطوري عندما تصبح حكاية أو قصة، أو موضوعاً يسمى فيما بعد أسطرة : وهذا ما فعله شاتوبريان في مقالة نقدية بعنوان " من نابليون والبوربونيين " 1814).‏

إنها حكاية " سلبية " فيما ترويه، ولكنها " إيجابية " فيما يخص الوظيفة التي شغلتها في خيال العصر. إن الحكاية الأسطورية التي تتسم بقدرتها على أن تكون سلبية أو إيجابية كان لها، مع مراعاة الفوراق النسبية، دور ووظيفة، عند بعض الأجيال، يشبهان ما حصلت عليه الأساطير القديمة في المدن القديمة عند الشعراء. وفي حالة نابليون، كان للأسطرة أعلامها وأسماؤها : بايرون، وبيتهوفن، وغويا، وكارل ماركس، وتولستوي، بالإضافة إلى شاتوبريان، ودوفيني، وهوغو، وأراغون، وآبل غانس. إن الأسطورة، سواء كانت قديمة أم حديثة، هي حكاية حيّة عند من يعيد خلقها أو يسمعها أو يقرؤها.‏

يمكن أن تحافظ الحكاية الأسطورية غير المستخدمة على اسمها " أسطورة " ضمن منظور تعاقبي واسع، غير أنها تفقد ذلك منذ أن تصبح أحد عناصر الثقافة أوالأدب المدروسين. لكنها تستطيع أن تنبعث من جديد عندما يعاد تفعيل المرجعية، وتقدم حكاية جديدة تغذي الخيال. لكل عصر أساطيره المفضلة، وعلم أساطير خاص به. وبهذا المعنى، يمكن أن تستخدم الاساطير، كالموضوعات، من أجل إغناء الاختلافات بين الآداب وإبرازها. يمكننا أن نتحدث عن أساطير عصر معين، مثلما استطعنا الحديث عن موضوعاتية عصر معين. ويقدم سي. م. بورا في كتابه " الخيال الرومانسي " (14) إسهاماً جديداً، أو تقليدياً، في دراسة " الخيال الرومانسي، إذ نجد جنباً إلى جنب أعمالاً و " أضواء عليها " ودراسات موضوعاتية وتصورات أسطورية دون جوان، وبروميثيوس). في كتاب " نهاية قرن، الأسطورة والغشتالية "(15) (16) ، جمع هانزهينتر هاوزر بعضاً من عناصر ميثيولوجيا نهاية القرن أوعصر الانحطاط : مثل عودة المسيح، والمدن الميتة، وتمرد الدانديين (17) ، والنساء قبل - الرافائيليات (18) ، والسنتور (19) يعد مسيح نهاية القرن مثل سابقيه، موضوعاً لسيناريو مقنّن ماذا لو عاد وقام بالأعمال نفسها؟ )، وله قيمة نموذجية عند جيل أوعدة أجيال.‏

يجب إذن أن ندرس كيف يستطيع الموضوع أو الرمز، أوالصورة، أو مجموعة كبيرة من الصور، أوالكلمة أحياناً، أن تتحول إلى قصة، أو تصبح بنية واحدة، أو مجموعة من العناصر الأساسية المتغيرة، وكيف يتم فهم الدور النموذجي الذي استطاعت هذه القصة الحصول عليه من أجل إثارة تكرارات وإعادات جديدة. يمكن لقصة أو رمز معينين أن ينتشرا في ثقافة معينة، في حين أنهما قد لا يجدان حظاً وافراً في ثقافة أخرى. في دراسة قديمة (20) ، تتناول ماريا سوليداد كاراسكو أورغواتي حالة خاصة موجودة في الأدب الإسباني بصورة أساسية تتعلق " بالشغف بالأدب العربي المغاربي " ومن المناسب أكثر أن نقول حالة من الهوس )، وكذلك أسْطرة شخصية ابن سراج الأخير(21) . لاقى هذا الرمز نجاحاً كبيراً في أيطاليا وفرنسا في القرن السابع عشر، واستفاد منه أيضاً شاتوبريان، والأمريكي واشنطن إيرفينغ، لكنه يبقى مرتبطاً بالرحلة إلى غرناطة وبأسطورة الحمراء.‏

من المؤكد أنه ليس هناك ديمومة أو شمولية للأسطورة : فقد اكتسبت الأساطير اليونانية شموليتها من هيمنة أوروبا الثقافية التي استوحيت منها هذه الحكايات. في المقابل، هناك حياة ، واستمرار وبعث للأساطير القديمة، كما تظهر أساطير جديدة، ويتم تحويل قصص قديمة إلى نصوص حديثة، وقد تنمو بعض العناصر أو الرموز الأسطورية في بعض القصص النموذجية عن طريق الأدب وغيره من الوسائل الأخرى.‏

- نحو تعريف للأسطورة الأدبية.‏

يميز بيير برونيل، في أبحاثه عن الأسطورة ضمن المعجم الذي مر ذكره، بين ثلاثة عناصر لتعريف الأسطورة، يسميها هو " الوظائف " - الأسطورة - السرد. تحكي الأسطورة قصة، فهي سرد. وهذا ما يميزها عند أفلاطون، عن الحوار والمناقشة. إن فكرة الأسطورة كسرد وسيناريو تعيدنا إلى التصورات البنيوية لتوما شيفسكي الذي عرّف الأسطورة بأنها " نظام من الدوافع "، وهذا يذكرنا بـ ك، ليفي - شتراوس، أو بالصورة عندما تدخل الأدب) ينتج عن القصة الخاصة التي هي الأسطورة تكرارات، وإعادة استخدام بعض العناصر وهذا ما يسميه ليفي - شتراوس " موضوعات أسطورية ". ويذّكر بيير برونيل، بصورة مناسبة، بتعريف الأسطورة من وجهة نظر ميرسيا إلياد : تروي الأسطورة قصة مقدسة، وتسرد حدثاً جرى في الزمن الأول، الزمن الأسطوري البدائي). وهناك أيضاً تعريف جيلبير ديران : هي نظام ديناميكي من الرموز، والنماذج والتصورات الخيالية التي تحاول أن تتآلف في حكاية، بتأثير مخطط ما). مخطط يصبح حكاية، هذا ما يمكن أن يكون أول عنصر في تعريف بسيط وواضح يبرز فكرة " السيناريو الأسطوري ". وسيناريو " أسطورة " أنتيغون هو التناقض بين البطلة والطاغية، وخطر استعباد أحد الأخوة، وخرق المحرمات، وخطوبة ابن الطاغية، والحكم والموت (22) .‏

يمكن أن تتبدل هذه المعطيات الثابتة بحسب رأي بيير برونيل، وهذا مؤشر على " حرية الأدب وحياته ". مثلما تدل أيضاً على إرغام، كبير إلى حد ما، للخيال عندما نوجهه نحوهذا السيناريو. أحياناً، يكون هذا الإرغام واقعياً كثيراً، ويمكن أن يترتب عليه نتائج خطيرة من ناحية جمالية. ويمكن القول بحق إن النجاح الكبير الذي لاقاه عمل ميلتون " الفردوس المفقود " أدى أيضاً إلى تشويش خيال الذين حاولوا تسجيل الأصل من جديد، ويعود ذلك إلى أن الشاعر الإنكليزي قدم سيناريو دراماتيكياً، وصوراً رائعة، وأسس أيضاً عقيدة حقيقية تصعب منافستها، أي إبداعها، ويبدو هامش المناورة، بالنسبة للخيال، بين أسطورة ميلتون والتوراة، ضيقاً جداً .(23)‏

الأسطورة - التفسير :‏

الأسطورة حكاية تبحث في الأسباب، إنها حكاية خرافية توضيحية، تفسر أصل الغار عبر التاريخ، وأسطورة تحول " دافني " والأسم يعيد إلى الشيء )(24) إنها تحكي لماذا تشكّل الواقع على هذه الصورة، وكيف تطور العالم، وأي نوع من العلاقات تربط الناس به. إذا أردنا التحديد أكثر قلنا إنها تفسير لأنها في الأصل معرفة موجودة في قصة معينة. وهذه المعرفة تظهر لنا كيف أن الأسطورة هي تنيظيم للعالم : وكل أسطورة هي حكاية عن الأصول، تكون أسطورة تأسيسية. على الصعيد الثقافي، الأسطورة سلطة، ومرجعية دائمة إلى حد ما، تستدعي التكرار والطقوس الدينية.‏

الأسطورة - كشف :‏

للأسطورة وظيفة كشفية، ويمكن القول مع ميرسيا إلياد، إن كل علم أسطورة هو قياس درجة الإحساس بالنور لدى الكائن.‏

وإذا كانت الأسطورة تكشف المقدس، فإن الأسطورة الأدبية ستكون أيضاً " جواباً ". لقد استطاع بيير برونيل، بحسب رأي أندريه جول (25) ، التمييز بين السؤال الذي يطرحه الإنسان والجواب الذي يتلقاه، وهو المجال الممكن " لصيغة " تسمى الأسطورة. في الحقيقة، إن لذلك الجواب وظيفة مزدوجة أو قيمة مزدوجة : أخلاقية وتعويضية. فالأسطورة لها دور التاريخ، ومن هنا تأتي القيمة المثالية للتاريخ، ولبعده الأخلاقي بصورة أوسع. وكما أدت الأساطير القديمة إلى تماسك الجماعات التي أقرّتها كأساس ديني، وكلغة رمزية، كذلك الحال بالنسبة لكل أسطورة حديثة جان دارك، نابليون، تشي غيفارا)، إذ إن لها قيمة أخلاقية عند الأمة التي تعرفت على ذاتها من خلال هذه القصص. هناك إذن التحام جماعي حول تاريخ ما، كان فردياً في الأصل، ثم أصبح جماعياً. وبما أن الأسطورة " جواب " فإن لها بالضرورة وظيفة تعويضية، مثلما ذكر بيير باربيريس عن أسطورة نابليون مجلة التاريخ الأدبي في فرنسا، 1970) : نتحدث هنا عن تاريخ ثانٍ. يجب عدم التقليل من أهمية هذا الطابع الثانوي وهذه الوظيفة الأخلاقية، بمعناها المحايد، في إقامة روابط بين الأسطورة والأيديولوجيا، وبين الأسطورة والخيال.‏

في الأدب، تتخذ وظيفة " الجواب " في الأسطورة مظهراً فريداً ذا نتائج عديدة. فالكاتب الذي يعود إلى الأسطورة فإنه يبحث عن " جواب " وتتم الكتابة حول " جواب " وهذا السيناريو موجود هنا مسبقاً. وهنا لابد من تحليل ما تقدمه الأسطورة وما يقدمه الكاتب عن العصر والثقافة المعنيين.‏

لايمكن دراسة الأسطورة الأدبية إلا عند نقطة لقاء تطورين متكاملين : الحفاظ على السيناريو وتحولاته حيث يقرأ العمل، وخيار الكاتب. وإذا استطاع ك. ليفي - ستراوس وصف الأسطورة بأنها مجموع هذه التبدلات، فإننا نستطيع الإدعاء بأن الأسطورة في الأدب العام والأدب المقارن هي أيضاً مجموع التحولات التي يخضع لها السيناريو، وهي ذات طابع فكري وجمالي أو ناتجة عن خيال ما مختلف عن خيال الأسطورة في نصوصها القديمة التي يتناولها الكاتب. ولا بد أيضاً من تفسير لماذا يلجأ كاتب أو جيل ما إلى استعادة سيناريو معين وتفعيله. هنا نفهم أهمية ما يقترحه جان لوي باكس (26) : " إن الأسطورة ليست مادة للتفسير، وإنما هي موضوع لمعارف من حياة سابقة " وهكذا يجب إعادة تقويم هذه المعارف عند استحضارها، لا إعادة تفسيرها، لكي تدلنا على القوانين، والأطر، والنماذج الناظمة لها، مع إمكانية إعادة استخدامها آنياً. لا تستطيع الأسطورة، بالتأكيد، تناسي أصولها الدينية بسهولة، ولايمكنها أخذ بعد أدبي إلا إذا بقيت كلاماً حياً.‏

- مبادئ النقد الأسطوري :‏

قبل بيير برونيل الحديث عن نقد أسطوري في الأدب العام والمقارن لكن بحذر وبشيء من التحفظ(27) . وتقدم القوانين الثلاثة التي صاغها تصورات مفيدة لنا، انظر الفصل الرابع).‏

- الانبثاق :‏

المقصود هنا الإشارات الأسطورية التي ترد في نص معين، دون التوقف عند الإشارات الواضحة فقط. فقصة " كولومبا " لميريميه سرعان ما أصبحت بديلاً عن أسطورة " إلكترا ". ولا يقتصر عمل المقارن على التعريف بالشخصيات فقط، بتفسيرها أيضاً، ويمكن أن يستند في ذلك على التاريخ الأدبي أبحاث في التسلسل التاريخي).‏

يجب ألاّ ننسى أبداً أنه لا بد للأسطورة من " تقديم " قصة معينة يوضح لنا روجيه كايوا (28) في بضعة سطور عنوان " نهر ألفي " علي صورة ترجمة ذاتية فكرية. إلا أن مرجعه في ذلك أسطوري علمي دون أن يكون أسطورياً. على الرغم من الثبات الشعري القوي المجرى الذي يخرج من البحر ليصبح نهراً، أو ينبوعاً). وبالأحرى، لايمكن الادعاء بأن هذه المرجعية مجاز مسيطر أو " أسطورة شخصية " بالمعنى الذي استخدمه شارل مورون في النقد النفسي).‏

هناك، بالتأكيد صبغة أسطورية في النص، أو بعض الإشارات، ولكن الحكاية الخرافية القديمة لا تحرض على أي نسج خرافي جديد، أو إطناب في الكلام. فهناك انبثاق دون تألق.‏

- المرونة :‏

يذكر هذا المفهوم بالسهولة في الاقتباس ومقاومة العنصر الأسطوري في النص , وهي مرحلة أساسية كمرحلة معرفة مقاومة المخطط الذي هو كل أسطورة وتقويمه. لذا لابد من مواجهة النص بمخطط الأسطورة الأساسي، الجاهز مسبقاً. إن هذا المخطط هوعمل الباحث واكتشافه خاصة حيث يقرأ في القصص بعض العناصر المتواترة، والمقاطع الأساسية التي تشكل ما يسميه أندريه سيفانو " التركيب الأدنى ".‏

ففي أسطورة " المينوثور " ظهرت ثلاثة مقاطع متتالية، خرق النظام الطبيعي عن طريق ولادة الوحش، والوضع القائم : المينوثور يتصرف، فهو فاعل، واتهام البطولة : معاناة المينوثور. تظهر هذه المقابلة بين المخطط والنصوص إمكانيات "التبديل " كما يقول أندريه سيفانو. ويوجد " حضور آخر " ضمن النص المدروس، وفق التعبير الناجح لبول برونيل .‏

- الإشعاع :‏

لابد لهذا الحضور أن يكون له دلالة فمن خلاله ينتظم تحليل النص. ولا بد للعنصر الأسطوري أن يمتلك قدرته على الإشعاع، وإن كان دقيقاً وكامناً. إذ يمكن الانطلاق من العنوان " الإشارة التي يوضع تحتها الكتاب أوالنص " أو من فكرة الكتاب التي يمكنها أن " تفسر " مثلاً، الصرخة التي يفتتح بها القسم الثاني من " أوريليلا " لدونرفال ؛ " أوريديس! أوريديس !" التي تبدو، كما يقترح بول برونيل، " مرجعاً مزدوجاً للأسطورة والأوبرا معاً".‏

ويتأكد ذلك من خلال قراءة أول جملة وضاعت مرة أخرى )، ونهاية النص. يجب مقارنة الإشعاع بالشكل الأدبي : مثلاً، يدخل مخطط الأسطورة في منافسة مع النوع الأدبي مسرحة الأسطورة، ومنطق أسطوري، ومنطق روائي) في المقابل، يمكن اعتبار الأسطورة " كنص ناقص " بحسب مصطلح جيرار جينيت، وكنتيجة شعرية بعيدة المدى، والنص المدروس " كتناص جمعي "، بالمقارنة مع المخطط الأسطوري، مما يستدعي مواجهة العلاقات بين المخطط الأسطوري والنص كعلاقات تناصية خلص بيير برونيل من كل ذلك إلى اقتراح مصدرين للإشعاع " تحت - نصي) : الأول هوعمل الكاتب الذي تكون فيه الأسطورة حاضرة، لكنها تشع في نص آخر، حيث لا تكون واضحة مع ذلك، والثاني هو الأسطورة " وإشعاعها المحتوم " في " ذاكرة كاتب وخياله، والذي لا يحتاج إلى جعلها واضحة ".‏

وبما أن الأسطورة، قبل كل شيء، بنية، فلا بد من وصف تنظيم النص، إذا أردنا، حقيقة، إنتاج قراءة للأسطورة "وصف تنظيم النص ". مثلما يذكر بيير برونيل، يجب الاتفاق، في هذه الحالة، على أن " كل واحد منّا يقوم بالتحليل البنيوي دون أن يعرف ذلك ".‏

ولادة الأسطورة الأدبية وتطورها :‏

نتحدث هنا عن ولادة ولا نتحدث عن أصول. من البديهي أن الأسطورة السلالية - الدينية) تغرق في العهود السحيقة من التاريخ، ولا يمكن لدارس الأدب المقارن تناول هذا المجال الوحيد، لأنه خارج التاريخ.‏

- الأسطورة والتاريخ الثقافي :‏

يتدخل المقارن عند أول تحول كبير في الأساطير القديمة:‏

إن مبدأ بشرية الآلهة قد أعيد أخذه ودخل المذهب المسيحي بواسطة " لا كتانس " في " مؤسساته اللاهوتية "، واستمر لوقت طويل أثناء العصور الوسطى، وفي العصر الذهبي لإسبانيا أيضاً، وكان مملوءاً بالحكايات الخرافية والأساطير " المُلحدة"، كان إيفيمير، وهو كاتب يوناني من القرن الثالث قبل الميلاد، يعتقد بوجود شخصيات بشرية مشهورة وراء صور الآلهة). ويمكن أن نستشف من خلال الأساطير القديمة والنصوص المقدسة والرمزية، تلميحاً للحياة البشرية، وتخفي تزيينات الخيال حقائق مقدسة.‏

وهذا ما طرحه خوان بيريزدي مويا في " الفلسفات المقدسة " خمس طبعات بين عامي 1585- 1673) ؛ وفراي بالتسار دي فيتوريا في " مسرح الآلهة في جنتيليداد " 1620).‏

ويفسر نظام التفكير أيضاً الاستغلال الشعري " للتحولات " لأوفيد كنماذج شعرية مثلما يشرح التفسيرات الكاثوليكية للإله " بان " في الحكاية الخرافية " إيكاونرسيس" التي أعادت قراءتها الراهبة خوانا إينس دولاكروز في " تأليه نرسيس "، كرمز للكنيسة العاشقة للسيد المسيح أوكتورية ممكنة " لحدائق غازلات الصوف " للرسام فيلا سكويه.‏

- التاريخ الأسطوري وأصله :‏

إذا تناولنا أرضية التاريخ الأدبي، فمن الممكن النجاح في دراسات تعاقبية بصورة واسعة، والتي تظهر كيف يتم الانتقال من شخصية ما أونموذج أدبي إلى الأسطورة. وتقدم تاريخين مختلفين للتطورات .‏

* إيفيجيني :‏

تتبع جان - ميكل غليكسون تاريخها في " إيفيجيني من اليونان إلى أوروبا في عصر الأنوار " 1985 P.U.F)وسرعان ما تتجاوز شخصية إيفيجيني أبعاد شخصية أدبية صرفة أسم، كنية، نسب )، وتبدو " متأصلة في المكان والزمان "، و" تشغل مكاناً في عمق خيال الشعب اليوناني " تغير المأساة، مسبقاً، النظرة إلى العالم المشترك، هذه النظرة المقدمة من الأسطورة الخرافية، والتراث الأسطوري. وتفسح المجال للمقارنة بين التراث الديني والمفاهيم الجديدة في القانون والفلسفة. فالشرط الإلهي معروض، لكن أوربيد يركز على المأساة البشرية. وهكذا تطرح الأسطورة مسألة الروابط بين المؤثر والمقدس، بتعابير جمالية ودينية ويميز ج. م. غليكسون مأساة حول معبد التضحية تصل إلى مأساة " روترو ". إلا أن التجديدات المتأنقة بدأت تحل تدريجياً، دون إلغاء المؤثر جروح العاطفة محل " القلق الذي يأتي مباشرة من السماء، بحسب المأساة القديمة" وتبقى مأساة أوربيد النص الأساسي، إلا أن النصوص الجديدة تظهر علاقة تردد بين العاطفة و " بطولة محرومة، من الآن فصاعداً، من إطارها الديني غير المتفق عليه ". إن المسرحيين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر عادوا إلى المؤثر " الخالص "، الأكثر قرباً من النموذج القديم، وهم يرفضون، بوضوح، الخاتمة الدينية لأوربيد التجلي الإلهي، و " النور الديني ")، لكنهم يستنجون الوعد النهائي بدين " أقل همجية ". أصبحت شخصيات إيفيجيني أيضاً " أناشيد للبشرية الفاضلة "، وحذف منها المعنى الديني للمسرحية اليونانية ولغزها. أماغوته الذي نهل من أعماق ينابيع التراث الأسطوري، فإنه يعطي " هالة من القدسية " إلى دين للبشرية يختزل الأسطورة " صورة تورية فلسفية ". إلا أنه لايمكن التقليل من دور الروابط بين المؤثر والمقدس، بوصفها العنصر الأساسي لهذه " الأسطورة الخرافية " على الرغم من تقلبها.‏

أسطورة هيلين :‏

تمكننا الدراسة التي قام بها جان لوي باكس عن هذه الأسطورة، من فهم ولادة التاريخ الأسطوري وتطوره، و المشكوك فيه دائماً. وهذه الملاحظة أقرب إلى التناقض : إن أسطورة هيلين ‎ " لم تنل حظاً كبيراً " إنها بعيدة عن فرض وجودها " بالعظمة نفسها" كأعمالٍ مثل أوديب، وفاوست، وتريستان أودون جوان.‏

ويبدو أن قدر " هيلين " أن تكون هامشية، في نصوص هوميروس. " العنصر الوحيد الثابت منها هو اسمها : وهذا قليل ". مع ذلك، لا تخلو الشخصية من صفات بشرية وإلهية في الوقت نفسه. وقد يبدو تاريخ هيلين، عندئذ، كتاريخ " الوجود المحتمل للمقدس في صميم الشخصية الأسطورية الخرافية " وهنا يطرح السؤال : " ما مصير الأسطورة الحقيقية التي كانت حية قديماً، عندما تتناولها آلة التفسير الهائلة : الأدب؟ " وماذا يعني، في هذه الحالة، استمرار حياة الأسطورة؟ فهي، كما قال رونسارد، قصة " فقيرة " في ظاهرها، إلا أنها قاومت العصور، وعاش اسم هيلين " طالما عاشت الأقلام والكتب ". وهذا يعني إعطاء الأدب دور جامع للتراث وحافظ له.‏

- الأسطورة وولادة السيناريو :‏

ربما نتمكن من القراءة في هذه الأسطورة " الفقيرة " أو في أساطير أخرى تحاول فرض ذاتها، لأحد المسارات التي تقدم للخيال " هذا الركام الشبيه بالأساطير " الذي تناولناه سابقاً انظر الفصل الرابع).‏

أسطورة الشاعر البائس :‏

يمكن تقديم شاهد على هذا التكوّن الإشكالي البطيء مع " أسطورة " الشاعر البائس، الذي حدده جان لوك ستينميتز أعمال ونقد، 1982، الجزء السابع) إنها دعوة، في عدة صفحات، إلى التفكير في " تكوين الأسطورة " انطلاقاً من أجزاء متفرقة من حياة شعراء مثل هومير، ولا تاس، وميلتون، وكامونس، وسرفانتس، أوشاتوبريان. وهكذا ترتسم قصة، قصة هؤلاء " المفكرين الشغوفين بالبؤس " الذين تحدث عنهم فيني في " ستيللو "، بدأ الأمر بمخطط، ثم بشخصية نموذجية، لينتهي برمز أسطوري، وهكذا وجد الشاعر البائس قبل أن يصبح الشاعر الملعون) في حالات مثل شينييه، ومالفيلاتر أو جيلبير، بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وجد عناصر جديدة من أجل حكاية يمكن أن تتحول إلى سيناريو.‏

- الولادة الأدبية لدون جوان :‏

بواسطة " بيرلادور إشبيلية " لتيرسود ومولينا، أي من خلال نص واحد، من الممكن، ضمن منظور الأدب العام أسطورة وأدب )، أكثر من منظور الأدب المقارن، أن نرى كيف يصنع نص معين قصة أسطورية. مع تيرسو، بدأت ما اتفق على تسميتها بأسطورة دون جوان : وسيكون صحيحاً أكثر أن نقول إن هذه الشخصية بدأت، لأول مرة، تتخذ رمز غاوٍ كان موجوداً بصورة خفية وارتجالية في التراث الشعبي الإسباني والأوروبي. فخلال ثلاثة أيام، كانت الكوميديا هي الفضاء الضروري لرجل أنيق، " رجل دون اسم "، كما قيل في بداية المسرحية، كي يصبح " البيرلا دور لأشبيلية "، وقد قدم تيرسو هذه الحكاية النموذجية إلى جمهوره على صورة موعظة. بعد علاقته الغرامية مع إيزابيلا وهروبه، أصبح دون جوان موضوعاً لأسطرة حقيقية عند عمه " دون بيدرو الذي كذب على ملكه. ثم ولدت هذه الكذبة أول صورة منتقاة لشاب غاوٍ، مثلما ولدت أول حبكة، وأول حكاية خرافية تقوم على الشجاعة والحزم والإقدام، وإضفاء الصفة البطولية على عمل دنيء في حد ذاته، وتجمع بين الصورة الإيجابية لمغامر يعرف كيف يتخلص من أي مأزق يقع فيه. وبين الصورة ذات الدلالة الكبيرة، صورة " الأفعى الملتفة ". ونجد تناقضاً في أساس خطاب العم : يتجاوز وجود الشر والصورة هنا من يبنيهما. يتعلق الأمر هنا ببيت من الشعر، مثل أبيات أخرى، يعد مؤشراً بالنسبة للمشاهد، ولكل من يرغب في رؤية شيء آخر غير مشهد العالم، والإمساك بمعنى الكذبة التي يقدمها دون بيدرو على المسرح.‏

بعد ذلك، نرى دون بيدرو يسترسل أمام أوكتافيو من جديد في حبكة، وأسطرة أخرى للغاوي المجهول. وبفعله هذا، يذكّر بأنه لا وجود للأسطورة دون قصة : ويحكي واحدة منها لأوكتافيو. ويجمع بين الغواية والليل في استعارة طويلة رتيبة، الدياجي العملاقة) ويكررها فيما بعد من خلال التعريف المستحيل للغاوي : " عملاق " أو " وحش ". لايكتفي خطاب دون بيدرو، أو حكايته الخرافية، بطرح شبكة مجازية إغواء - ليل )، بل يصف نوعية العمل المشروع به : المجهول يتحدى السماء والسلطة الملكية، ويقارن الغاوي، الذي لم يأخذ اسماً بعد، بالشيطان، وهذا التشبيه هوالذي أتاح لدون بيدرو أن يدعم كذبته التي يلقيها على أوكتافيو، العاشق قليل الحظ : فهو يجعل الغواية عملاً شيطانياً، وعملاً خارقاً، ويكون بذلك أول من أعد شكلاً من الترجمة للأسطورة الدونجوانية، عبارة عن مزيج من الحقيقة والكذب، ومن عناصر مبتذلة وشاعرية، أصبح في النهاية حقيقة كما قيل. مع خطابي دون بيدرو، نشاهد ما سيسميه علماء الاجتماع " الإشاعة" وبصورة أوضح : العم والمجتمع هما أول من اصطنع قصة، هي أول نسخة للأسطورة الدونجوانية، مع تحديد حدودها الشيطانية، والمبالغة في قيمتها أو الطابع الغيبي، وكل هذا أدى إلى جعل الغاوي أكثر من إنسان عادي. وليس ثمة أسم للغاوي بعد، وبالكاد يرتسم له وجه. لكن له قصة اخترعها محيطه المباشر.‏

إن شخصية " تيسبي " هي التي منحت دون جوان شهرته الاسمية ووضعيته المعبرة " في أحضان امرأة " وتيسبي هي امرأة طائشة وقعت بسرعة في هوى دون جوان الذي أصبح غاوياً بسبب شخصيته الجذابة. وهكذا سوف تكتسب قصة دون جوان سمة " أسطورية " أخرى. إن تيسبي العاشقة تجري وراء المجون مع إيزابيلا، وتقضي مغامرة في إسبانيا : فلا أسطورة دون قصة مكررة.‏

وتكرار القصة هو الذي يجعلها مثالاً. والحالة هذه فإن قصة دون جوان هي تكرار : فأولاً وقبل كل شيء، تعبر أسطورة دون جوان عن الآلية ذاتها التي لولاها لن يكون هناك أسطورة. في نهاية أول يوم، صارت تيسبي الضحية الثالثة المعروفة : وهذا الموقف الثلاثي هو الذي أوصل دون جوان إلى تلك الأصالة المشبوهة في الإغواء، التي يقدمها " كعادة قديمة ". وصار دون جوان في نظر خادمه " عقاباً للنساء "، وفي نظر تيسبي " الغيمة الطالعة من البحر ".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elawa2l.com/vb
أشرف على
admin

admin
أشرف على


ذكر
عدد المساهمات : 27639
نقاط : 60776
تاريخ التسجيل : 04/09/2009
الموقع : http://elawa2l.com/vb

الأوسمة
 :
11:

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالجمعة 27 أبريل 2012 - 4:34


وفجأة أصبح للرجل الذي كان دون اسم في البداية أسماء كثيرة : وبذلك بدأت الحكاية الخرافية. نتذكر هنا أن دون جوان عوقب على جريمة لم يرتكبها، لكنه كان ينوي ارتكابها : فقصة دون جوان التي اخترعها تيرسود مولينا هي قصة فيها مغالاة وقصة نموذجية في الوقت نفسه. وحرض على القصة مجتمع قائم على الخبث، فجاءت موجهة إلى المجتمع كرد على مشاكله الخاصة به، لذا، فإن هذه القصة " الأسطورة " تتشوه خارج إسبانيا.‏

إن المسرحية التي تنتهي باستذكار ضريح دون جوان هي قصة معبرة بالمعنى الدقيق للكلمة. لكن فيها أكثر من ذلك. يقدم " كاتالينون " الخادم، تلخيصاً للعمل في بضعة أبيات، أمام شخصيات جاهلة، وأمام جمهور رأى كل شيء أيضاً. هذا التكرار ليس غلطاً عادياً، بل إنه يسمح، في نهاية المطاف، بمعرفة المقاطع الرئيسة في قصة دون جوان. إذ يحكي الخادم في قليل من الأبيات المخطط الأسطوري، والتركيب الأدنى : لأنه لا أسطورة دون تصميم أولي يمكن استحضاره : وهذه الحكاية هي " حقيقية " وصدى لكلمة أظهر دون بيدرو كذبها. وتركز كلمة الختام الموجهة، إلى الملك، على " الذاكرة " : هذه القصة التي يجب تذكرها هي آخر تبيان للطابع النموذجي لكل أسطورة.‏

* الأسطورة والقصة :‏

من خلال نص واحد، مأساة الملك كريستوف ديمي سيزير، يمكن أيضاً فهم كيف أسس أبو الزنوج أسطورة، عبر القدرة الشاعرية والسياسية، وبذلك كتب التاريخ من خلال قصة نموذجية عن الملك الطاغي هنري كريستوف. وإقفال المسرحية على صورة ضريح يقلب طريقة العمل المأساوي إلى الطريقة الفرنسية " الكلاسيكية " : لم تعد الأسطورة هي المصدر والنموذج والنص الأولي للمأساة، إنها مأساة من التاريخ مستوحاة من أسلوب شكسبير وكلوديل، هي التي تتحول في النهاية، إلى شكل خاتمة، وإلى أسطورة، وإعادة كتابة للتاريخ، وقصة مسلية، تجمع تاريخ ثلاثة قرون من العبودية والخزي في قصة جديدة.‏

وصورة العنقاء هي المأزق النهائي، والنموذج عند العرق الأسود بكامله : لا وجود للأسطورة دون مخاطب، كفيل وضامن وممثل للنموذج.‏

- شعرية الأسطورة :‏

يجب الانطلاق من أهم سمتين شكليتين أو بنيوتين للأسطورة :‏

إنها حكاية ومخطط أوحوار. يدرس جان إيف تادييه في " الحكاية الشعرية " غاليمار 1994) " العلاقة بين شكلين أدبيين "، و" المتغيرات في نظامين اثنين ". وتنتمي الإمكانيات الثلاث التي يميزها إلى " القوانين " الثلاثة التي صاغها بييربرونيل. فإما أن تكون الحكاية الشعرية " أسطورية بصورة كاملة " الإشعاع)، أو أنها " تدمج أساطير " على شكل " حكايات منتظمة " مرونة )، وأخيراً " قد يوجد فيها أساطير غامضة "، وتقرأ " من خلال بعض الحلقات من التاريخ أوبعض الأبطال " أو " أنها تتفجر مثل وابل من اللمحات الرمزية " انبثاق). في الحقيقة، إن الأمر يتعلق، خاصة، بتبيان أن الحكاية الشعرية تبتكر أساطير جديدة كما فعل أراغون )، عندما لايدخل في نصها أساطير قديمة حالة أول حكاية لجيونو). فالحكاية الشعرية " آلة تنتج معان خفيّة ". " وبذلك تتعارض مع الحكاية الواقعية" وفي ذلك دلالة على أن متابعة التحليل تؤدي إلى تحليل الشعارات والأحلام. وإذا عدنا إلى فكرة " المخطط " فإننا سنفهم ليس فقط الوضع التاريخي الأسطوري لنص ما، ولكن أيضاً العلاقة التي تربط المخطط الأسطوري ببنية النص المدروس، وتختلط ولادة الأسطورة، إذن، مع تشكل المخطط، والسيناريو من أجل قصة جديدة. ويكمن العمل النقدي الشاعري أولاً في تحديد المخطط الأسطوري الثوابت، والعناصر المكونة )، وفي تبيان عمله وتبدلاته.‏

- قراءة الأسطورة :‏

يواجه المقارن قراءات : أن يدرس بُنى النص المخطط الأسطوري )، ومشاكل التناص الانتقال من نص إلى آخر ووجود صورة عن الأسطورة في النص )، وأخيراً المسائل المتعلقة بالأشكال والأجناس الأدبية مقارنة مع المخطط الأسطوري، وهذا ما اسماه جان روسيه بسعادة " التحولات الجانبية " أسطورة دون جوان، أ. كولان، 1976 )، وهي دراسة تفيدنا كدليل وتساعدنا في اكتشاف نمط جديد من القراءة الممكنة، قياساً إلى القراءات المفهرسة انظر الفصل الأول)، أو بالأحرى إلى منهج جديد في مقارنة النصوص.‏

- المنهج البنيوي وتطابق النصوص :‏

أعد لنا جان روسيه " سيناريو دونجوانياً دائماً " يبلغ عدد مكوناته وثوابته ثلاثة : الميت " لولاه لسمعنا قصة أخرى " )، والنساء " مجموعة من الضحايا وضحية متميزة ") ؛ وأخيراً البطل ذاته، الذي " يتصدى للموت " والذي سيتلقى " العقاب النهائي ". ربما يجب الحديث، إذن، عن العقاب، وليس عن البطل، بالنسبة لهذا الثابت. وبالتحديد، فإن هذا " الثابت " يشكل عنصراً من نموذج ما، لايرتبط بأي علاقة مع الثوابت التي شاهدناها آنفاً انظر الفصل الأول). وتشكل الثوابت تجريداً : أي هناك " تشكيل ثلاثي أدنى " يحدد " علاقة ثلاثية مشتركة ".‏

على الرغم من أن جان روسيه يقترح " منهجاً بنيوياً " فإنه لايريد أن يتقيد به : فهو يريد قراءة النصوص وإجراء " تحليلات مصغرة " و " تطابقات " لمختلف العناصر والمقاطع والوحدات، و " تكديس المواد " لمعالجة نصوص الأسطورة " كما لو كانت متزامنة بحيث يستخلص منها الترتيبات الرئيسة ". لنترجم ذلك بطريقة مقارنة.‏

- " التطابق " : يجب الترحيب بظهور هذه الكلمة. فإذا كان تكوّن مادة ماثمرة لقراءات واستبصارات ومعارف، ويرتكز على تلاقي الأفكار أوعلى تداعي الموضوعات أو الأفكار المُحرضة هنا من اسم الخصم، وعنوانات يمكن تتبعها بسهولة، فإن إعداد المخطط، والمقارنات بين نص ونص آخر تتم من خلال التطابق. لم يعد الأمر يتعلق إذن، بأخذ ورد) أو بقراءات " جانبية "، أو قراءات عكسية (29) ، وذلك كان موضوع الفصل السابق.‏

إن وجود مخطط أو بنية، في الأساطير والحكايات الخرافية القديمة، يفسر وضع منهج بوحي بنيوي، مثلما يظهر في أعمال ليفي - ستراوس.‏

- الثوابت والمتغيرات :‏

يتيح نموذج الثوابت الثلاثة " فرز " النصوص ويبرر رفض النماذج الأخرى من الغاوين والغواية كازانوفا، لوفلاس ).‏

يتم اعتماد بعض النصوص وفق ملاءمتها الكبيرة إلى حد ما لنموذج معين، وليس وفق خصائصها الجمالية. إلا أنه لايمكن إهمال التزامنية ولا خصوصية كل نص أو أهمية " النصوص - الوسيطة " مثل " دون جوان 1813) ل. أ. ت. آ. هو فمان، حيث تلتقي ثلاثة أجناس أدبية : حكاية تروي عرْضاً لأوبرا موزا " دون جيوفاني "، ودراسة لشخصية دون جوان. وتتشكل شعرية الأسطورة من خلال القراءات المتنوعة للمادة، وهذه القراءات هي " أسفار عبر الأشكال ". يبقى الثابت الذي يصبح إذن متغيراً) لموت دون جوان وعقوبته أحد أهم الأزمنة في دراسة جان روسيه. في الواقع، إن الاعتقاد بتساوي كل الثوابت يعني الوقوع في كاريكاتور بنيوي. إن المساس بالموضوع الأسطوري) للموت والعقاب يعني إفساد المنطق الأول للأسطورة، وتعديل مضمونها، ومداها، ومغزاها. فالعمل الشعري حول العقاب لايستخدم فقط مشكلة شكلية : إنه يتعلق بمادة الأسطورة ذاتها، والمعنى الذي يمكن أن تأخذه في مجتمع وثقافة معينين. ألم توضع صرخة سغاناريل الشهيرة والغريبة في " دون جوان موليير" " ضماناتي، ضماناتي " التي أطلقت بعد عقوبة معروضة بدقة مسرح بآلات مع تغييرات في المنظر )، في الخاتمة للتذكير بأن المسرحية كلها مبنية وفق مبدأ المسرح داخل المسرح؟ يحتفظ كل العالم في هذه المسرحية بدور مزدوج، ولغة مزدوجة حيث لم يتوقف دون جوان والزوج السيد - الخادم عن اختبار مواقف دراماتيكية.‏

إن هذه الشخصيات تتنكر، وتتشبه المسرحية أحياناً باستعراض ذكرى مبغض البشر حيث نجد المبدأ البنيوي نفسه )، وتضع دون جوان دائماً ضمن مواقف مسرحية جديدة : أمام إلفير مرتين )، وأمام والده مرتين )، وأمام أحد الفقراء، وأحد الارستقراطيين دون كارلوس) الذي يشكك بقانون الشرف بصورة مطلقة على خلاف أخيه دون ألونسو )، ثم أمام الاثنين، وأخيراً أمام تمثال. تصنع المسرحية من دون جوان شخصية لملهاة داخل الملهاة مع الفلاحين إلى حد جعله مضحكاً وشخصية هزلية، أو أيضاً لعبة داخل لعبة أخرى، ابتكرت من أجل طرد السيد ديمانش أي اسم لمسرحية لا تتحدث إلا عن السماء! )، وتقدم هذه اللعبة " كسرٍ " وتتكرر في المستوى الهزلي من خلال سغاناريل. وبعد تنفيذ العقوبة، وارتياح كل العالم، يبقى موليير - سغاناريل مطالباً بضماناته، كما لو أنه يتساءل إذا كان يمكن للمسرحية المعروضة أن تكون أيضاً " مثمرة "، ولم يُهجر هذا السؤال بعد مصائب طرطرف.‏

الدراسة الشعرية للأسطورة هي هذا الزمن من القراءة الذي تستدعى خلاله المعلومات التاريخية، أو تسمح بوضع تصور لتفسير معين. وهذا ما يمكن أن يُسمى منطق الأسطورة، مثلما تحدثنا عن منطق للصورة، في الحالتين، يجب استخلاص تفسير يقوم على سيناريو، وحكاية خرافية، وتركيبه ضمن سلاسل تشكيلية، وتبدلاته المحتملة، واشتقاقاته بالمقارنة مع مخطط أولي. وكل هذا يستحق تفسيراً مزدوجاً : داخلياً، بالمقارنة مع اقتصاد النص المدروس، وخارجياً، بالمقارنة مع خيال كاتب أو عصر، أو ثقافة.‏

- الأسطورة والخيال :‏

تتطلب الأسطورة الأدبية، على شكل نص، تأملاً وتفسيراً للتاريخ الفريد دائماً، والمثالي، والذي كان قد عرض ثانية أمام القارئ، والمشاهد، الذي يمكن أن يكون قد علم، مثل الكاتب، بوجود تواريخ أخرى معاصرة، سابقة أو موازية. لا وجود لدراسة في الأساطير دون اختبار استقبال الأسطورة. بدأ هذا الاستقبال للتاريخ في وقت مبكر جداً : مع الكاتب الذي يعتمد على سيناريو معين، بدلاً من اختراع سيناريو جديد.‏

- التلقي وإعادة التفسير :‏

يلاحظ أندري دابزي انتشار أسطورة فاوست الألمانية أكثر من أسطورة جان دارك، على الرغم من أن الأسطورة الفرنسية أثرت في شيلر في " عذارى من أورليان ". تولد الأسطورة نوعاً من الشغف برموزها) : يشير أندري دابزي إلى أنه كان يوجد " موضة فاوستية " رومانسية. ويمكن أن تتداخل الأساطير أحياناً : مثلما فعل غراب عندما ألف " دون جوان وفاوست " 1829). ونحن نوافق على أن مثل هذه التداخلات لا تقف عند حد اللعبة التناصية للموضوعات أو النماذج. يمكن أن تقتلع الأساطير من سياقها الأصلي و" تهمش ". إنها تتحدث بلغة الخيال المتأصلة فيها : ألف الكاتب الأرجنتيني إيستانيسلاوديل كامبو مسرحية " فاوست في بوينيس آيريس " حيث يحضر راع أرجنتيني عرضاً لفاوست.‏

يمكن لقصة أسطورية أن تخفي قصة أسطورية أخرى. غالباً ما تخدم المسرحية الإسبانية الساحر العجيب) لكالديرون كتتمة إسبانية لأي برنامج يتناول أسطورة فاوست : يتعلق الأمر هنا بذوق فاسد للنوافذ المزيفة التي يتحدث عنها باسكال.‏

ليس من الضرورة أن يشير كل تحالف مع الشيطان إلى حكاية فاوست:‏

صحيح أن هذه الحكاية تضمنت هذا العنصر أو هذا الثابت من " كتاب الشعب، 1578 )، ولكن ليس ضرورياً أن " ينتج " كل تحالف مع الشيطان أسطورة فازستية : يستفيد كالديرون من الأساس الفولكلوري المحلي والتراث القومي خاصة مسرحية سابقة لميرادو أميسكوا )، ويقتبس كثيراً من " الأسطورة الخرافية الذهبية " من أجل إخراج الموت المزدوج لسيبيريان دو أنتيوس، وجوستين. مع ذلك، فإن غوته حرفي أن يقول إن " موضوع فاوست قد عولج بعظمة كبيرة " في هذه المسرحية.‏

وهذا يشير إلى أن المقارِن بحاجة إلى اليقظة أكثر من حاجته إلى الحماس.‏

- فهرسة للخيال :‏

تكمن الفائدة الكبيرة التي تقدمها الدراسة التي قام بها أندري دابزي حول أسطورة فاوست أسطورة فاوست، أ. كولان، 1972)، من وجهة نظرنا، في إرادة وضع تصور للعلاقة بين قصة فاوست والتاريخ الثقافي الذي تحاوره، ومقارنتها مع قصص أخرى تنتمي إلى الثقافة الغربية مثل أسطورة دون جوان)، والتي تجاورها وتعايشها و تتقاطع معها : وبذلك تصبح الأساطير، مثل الموضوعات، موسوعة خيالية يمكن الاستفادة منها.‏

قراءة أسطورة فاوست :‏

في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، حل فاوست، بصورة عملية، محل النموذج القديم للمشعوذ أو الساحر. وبذلك أعطى لهذا النموذج التقليدي " رمزه الحديث ". وصنع العصر الرومانسي بعد ذلك من فاوست دونجواناً عاشقاً جذاباً إن لم يكن مُجدِّفاً أنيقاً ). إن ما يقرّب الرمزين والقصتين ليس الكارثة التي تؤكد انحرافهما ولكن هذا " الطموح المثالي والمطلق " الذي يجسدانه من وجهة نظر الأجيال الرومانسية.‏

وبالطريقة نفسها التي تقاطع فيها فاوست " دون جوان "، أوجد القرن التاسع عشر " فاوست " مع اليهودي الضال، و " مانفرد " لبايرون، و " زار ثوسترا ، وباراسيلز ". هذه اللقاءات، وهذه التقاطعات، تفسر عبر إرادة العثور على رموز وقصص يمكن لثورة الكائن البشري فيها، ولعظمته، وطموحاته الشرهة، أن تجد ظرفاً، أو شكلاً ليناً قابلاً لتحولات متعددة قانون المرونة). ولكن، كانت " العدوى " مع بروميثيوس هي الأكثر والأعمق، بروميثيوس الثورة، والتقدم، الذي يبشر الإنسان " بسعادته عبر قواه الخاصة " والحالة هذه، إن اختيار هذا الطريق يؤدي، بصورة غير متوازنة، إلى تفضيل " أحد محوري الأسطوري "، وهما " ديناميكية الإنسان "، ونسيان أو رفض " الحد المأساوي النابع من الالتزام بالشر ". على هذا المستوى، أخذت أسطورة فاوست كامل مداها وكشفت عن علة وجودها، ورسالتها الأساسية. يظهر " أندري دابزي أن قصة فاوست ترتكز على التجربة المسيحية والغربية للإنسان، وعلى حريته، ومسؤوليته الشخصية. الإنسان الغربي لايتطابق مع فاوست، ولا مع " الرجل الفاوستي " مثلما يدّعي سبينغلر. ولكن يبقى فاوست إحدى صوره المفضلة، وربما يكون حقيقة الرمز الوحيد الحي من رموزنا الأسطورية القديمة. ما هي القراءة التي كانت قد مورست من أجل الوصول إلى هذه النتيجة؟‏

لنستمع إلى أندري دابزي: " لاتقتصر دراسة أسطورة أو موضوع أدبي على فهرس عشوائي من العنوانات أو الاستشهادات المقتلعة من سياقها. من بين كل تبدلات حكاية فاوست، يجب علينا البحث عن منطق، وثوابت. نتج عن التاريخ بنية أدبية متعددة الأشكال، تمتلك نوعاً من التميّز، ومرونة نسبية : تتفاعل، بصورة مختلفة مع الحوادث، والأفكار، والشعارات، ولها ردودها وانحرافاتاتها، وتفرض نفسها على الكاتب بصورة كبيرة، وحتى على العبقري " خاصة العبقري " الذي يريد التلاعب فيها عبر خياله " يجب التفكير إذن باستمرارية الاسطورة، وقابليتها للتبدل، وسياقها الواسع نسبياً ولكنه ليس مطلقاً ويخضع، دون شك، لبعض المبادئ غير الأدبية).‏

لماذا لم يستطع فاوست حتى الآن " وضع نظارتين لمادية فظة "، ولا " ارتداء اللباس الجماعي "؟ هل تربطه أصوله المسيحية بتصور روحي وشخصي لابل فردي) للحياة؟ إن إعادة قراءة التاريخ الأسطوري يعطي جواباً نهائياً على هذا السؤال. تنبع أصالة اسطورة فاوست، وفق رأي أندري دابزي، من التوتر المأساوي الموجود بين المحورين المتعارضين : اندفاع الإنسان وضغط الشر عليه.‏

بالنسبة لفاوست ودون جوان، لايمكن للمحور الأول السير دون الآخر، وهذا ما يفسر الفائدة الدائمة للجمهور. إن أسطورة فاوست تأكيد للإنسان وتحذير حول حدود الشرط الإنساني، في الوقت نفسه. لايمكن فصل الأسطورة التي قرأها أندري دابزي " كحكاية رمزية لموقف وجودي مثالي "، عمّا نسميه " الخيال. " يمكن للأسطورة أن تمر بمراحل، وتتعرض للاختفاء، والزوال، لتولد من جديد ثانية. ولكنها تفترض استمرارية عبر إعادة استخدامها، لأن التاريخ الأسطوري أخذ " صدى جماعياً ".‏

- من الشعرية إلى التأويل :‏

كل جيل يعيد استخدام " المخطط الحدثي"، ويجدده، أخذ هذه المفهوم من علم الإنسان البنيوي عند ليفي - ستراوس). يمكن إضافة المنظور التفسيري التأويلي) إلى منظور جان روسيه الشعري غالباً، من أجل فهم العمق التاريخي والثقافي لقصة معينة. منذ أربعة قرون، تعد قصة فاوست قصة الأجيال المتعاقبة، الساعية للوصول إلى حلمها في المجد والنجاح. تذكّر الأسطورة كل جيل جديد أنه كتب على الإنسان أن يختار حياته، وأن يكون سيد نفسه أو عبداً. مما لا شك فيه، أن تفسير قصة، يشكل فيها التحالف مع الشيطان النواة الأولية والمركزية، لا يمكنه بسهولة تناسي الأبعاد الدينية، والأخلاقية أوالفلسفية.‏

على المقارن ودارس الأدب بصورة عامة) أن يعزل العامل المشترك في الجوهر مع قصة أصبحت أسطورة. إن طبيعة القصة وصبغتها، يؤثران إذن قليلاً في عملية التفسير.‏

أظهرت كولييت آستييه في " أسطورة أوديب " أ. كولان، 1974) الاحتمالات المختلفة لموقف مقدس في الأصل، من وجهة نظر الكتابة المسرحية، أو الروائية).‏

يرجع جان بيرو(30) الزوج التوأم في أسطورة التوائم التي درسها، إلى علاقات ثنائية ينتظم حولها الفكر البدائي. تبدو أسطورة التقمص (31) كنموذج للأساطير، بالنسبة لبيير برونيل . ولكن هناك استثناءات خاصة في المستويات الشعرية. يمكن أن يكون التقمص مجرد موضوع أدبي بسيط، عندما يختزل إلى فكرة، أو فرضية عامة. تقع بعض التسويات أحياناً، مثلما حدث في " دفاتر مالت لوريد بريج " حيث لا يحتفظ ريلكه من قصته بيبليس (32) وكادموس (33) انطلاقاً من أوفيد )، إلا بلحظة التقمص في الأصل.‏

يوجد بعض الصور، والمقارنات، والذكريات التي تشير إلى " إفقار " الأسطورة، إذ تصبح " إطاراً فارغاً "، أو أداة، أو " زخرفة خالصة " كذلك بعد تمييز التقمص العمودي الذي يرافق الكائنات )، والأفقي الذي ينقل الكائنات من شخصية إلى شخصية أخرى وفق طريقة بروتيه )، والتأمل في مفهوم الخيال الذي يفترض دائماً التقمص، طرح بيير برونيل السؤال الأساسي الذي يجذب باتجاهه التقمص كحكاية أسطورية : لا يتعلق الأمر بملاقاة كائنات أوتغييرها، ولكن بكشف " الكائنات التي تتلاقى في الحياة " و " الحيوان الذي سنتقمصه "، أو " الذي يحمله كلٌ منّا في داخله ". يصبح التقمص إذن تعبيراً عن وحي داخل يتجاوز الحد بين المادة والروح. هل الأسطورة هي التقمص؟ نعم، دون شك، ولكنها أيضاً تقمص يتظاهر بوصف الآخر من أجل وصف الذات نفسها، ويوحي بحادثة لا تحدث أبداً " يبقى لوسيوس دو أبولي (34) إنساناً على الرغم من تحوله إلى حمار ". هي أيضاً مجاز، في استخدامات حديثة وحيد القرن لأيونيسكو )، وبصورة أكثر عمقاً، في الكتابة والأدب حيث يمكن أن نعد مغامرات " الأنف " لغوغول التعبير النموذجي : وهذا يظهر، من جهة، أننا نستطيع إعطاء الانطباع بوجود معنى مجازي، يبقى، في الواقع، غائباً، ومن جهة أخرى، نستطيع أن نحكي عن تقمصات أنف ما، عن طريق سرد مغامرات المجاز نفسها.‏



- علم الأساطير والأسطورة الشخصية :‏

ضمن منظور التفسير الضروري للأسطورة، والدراسة من أجل تجاوز المخطط، والتصميم إلى تبدلات مختلفة للتركيب، نفهم كيف نستطيع ضم مفهوم " الأسطورة الشخصية "، على هذا المستوى من التأمل.‏

* منهج : النقد النفسي :‏

لايتعلق الأمر هنا بتعسف أو سهولة لغوية، لإحدى هذه الظهورات التي تسمح بها كلمة أسطورة. ينطلق المفهوم الذي قدمه شارل مورون من التحولات المهيمنة إلى الأسطورة الشخصية، كورتي، 1963) من محاولة تطبيق نوع من التحليل النفسي على الأدب النقد النفسي). تبدو الأسطورة التي يكتشفها شارل مورن عبر تطابق نصوص لمؤلف واحد نقطة لمنهج مهم )، والتي تنتج عن تداعيات، وتجميع صور ثابتة.‏

يقود، التكرار، غير الارادي، إلى صورة أسطورة شخصية، تفسّر كتعبير عن الشخصية اللاواعية للكاتب : ومثلما يحدث دائماً في التحليل النفسي، تقارن نتائج القراءة بمعطيات السيرة الذاتية. مبادئ القراءة، خاصة " تطابق " النصوص، قريبة من المبادئ التي كانت قد أعطيت من أجل اختبار بنية الأسطورة ومخططها. وتتطلب الأسطورة الشخصية، هي أيضاً سيناريو أدنى. فإذا كان يبدو هنا أن المفهوم يحل محله، فإننا نوافق على أنه يوجد بين الأساطير القديمة وشخصيات الكتّاب صلات مشتركة فريدة. يلاحظ بييربرونيل في نهاية " نقده الأسطوري " أن : " لكل كاتب أسطورته. فاليري ونرسيس، ريلكة و أورفي، كامووسيزيف. أما أندريه جيد الذي استفاد من كثير من الأساطير الإغريقية قبل أن يذوب مع " تيزي " في قصته الأخيرة، فإنه أوحى باسم بروميثيوس " كمثال " للكتّاب ". هذه الملاحظة دعوة جديدة لممارسة الأدب العام والمقارن الذي يجب أن يحجز نفسه داخل حدود سلسلة واحدة من النصوص. تهدف الدراسة إلى تفسير العلاقة بين الأسطورة والكتابة وإيضاحها، وبين المخطط الأسطوري والخيال المبدع.‏

- وجه لأسطورة أورفي :‏

يمكن أن تعاد قراءة عمل الروائي الأرجنتيني إيرنيستو ساباتو، المحير للوهلة الأولى، عن طريق مقارنته بأسطورة أورفي، د. ش. باجو، أي ساباتو أو الأدب كمطلق، طبعة كاريبين، 1991).‏

من أين ينشأ ما يمكن تسميته، في البداية، بمقارنة فرضية؟ تنشأ من المقاطع القوية والأساسية، والقصيرة مع ذلك، من شعرية ساباتو عندما يتحدث عن النزول إلى جهنم والصعود، وعندما يريد عرض عمل الروائي، والاستشهادات من " الإنسان تحت الأرض " لديستوفسكي الذي يعجب به بشدة .‏

يشكل العالم السفلي. والجهنمي تتمة لتكرارات ومتتاليات يمكن تسميتها مجازاً بالكابوس (35)‏

يجب أن تقارن هذه القراءات الأولى مع قصة أورفي من أجل مطابقة المخططين : مخطط الأسطورة الثابت والمعروف (36) مع المخطط الذي يرتسم في عمل سابوتو ودراساته. في الواقع، تتألف حكاية أورفي الأسطورية من ثلاث قصص متتالية : النزول إلى جهنم قصة أوريديس )(37) ، وأورفي الشاعر الكاهن بحسب راي هوراس، الذي وضع في المسرحيات من قبل كاهنات باخوس (38) .‏

تتواجد هذه العناصر الثلاثة عند إعادة كتابة الحياة، التي هي شكل من الاعتراف، في الفرنسية، ملك الموت، طبعة سوي )، أو تتواجد في العالم الخيالي الرسام جوان بابلوكاستيل في " النفق " سوي). الإنسان المشتت هو أحد الرموز الكبرى المفضلة عند الروائي والدارس، مثلما هوالحال في العمل المبعثر أو المقسم. مع ذلك، وبصورة متوازية مع هاجس التشتت، والتمزق، تظهر إرادة التوحد، ودور الكاتب كمبدع للكلمات، والشاعر الشاهد، مثل أورفي، الذي يجلب الحضارة للناس. تتطابق رسالة الشاعر هذه مع نظرية الفن " كتنبؤ " عند ساباتو، التي تأثرت، دون شك، بالرومانسيات الألمانية.‏

يمكن أن يكون لمفهوم " الاسترجاع " أصداء مسيحية وفلسفية، ولكنه يرجع أيضاً إلى فكرة " الاسترجاع " نفسها من خلال الغناء، التي لا يمكن فصلها عن شخصية أورفي المعتنقة للمسيحية.‏

أخيراً، إن فكرة الفن " المؤسس " لكتابة روائية تكون " كاشفة " أو مبدأ جمالياً مثل " الكتابة تعني الوجود بصورة عامة "، تذكرنا بالشاعر أورفي، ونائبه ريلكه : " الغناء و جود " سونيتة أورفي، الجزء الأول، والثالث)‏

إن عمل ساباتو الذي يستند بصورة مَرَضيّة على الظلمات وجهنم استفاد من أسطورة أورفي، حيث وضعت القصة الأسطورية، الحية، والكامنة ضمن النص. وإذا كان الروائي يتحدث غالباً عن " عمق " فإن ذلك يكون بالمعنى الذي أراده جان - بيير ريشارد في " شعر وعمق " : " يتعلق الأمر بتجاوز العمق والعودة منه حراً، وإنسانياً ". هذا المبدأ أخلاقي وجمالي في الوقت نفسه، ظهر دفعة واحدة، بصورة أساسية من خلال " الفات - Levates" المستوحى من اسم أورفي.‏

ليست الأساطير القديمة هي وحدها من يمتلك الأفضلية في أن تصبح أساطير شخصية. يمكن أن يتحول الفضاء المفضل للسيرة الذاتية والكتابة إلى أسطورة شخصية، مثل الفضاء الكراييبي، والبحر الأبيض المتوسط بالنسبة للكوبي أليجو كاربنتييه، أو صقليا بالنسبة لبول موران في كتابه " فينيسيا " يمكن أن يصبح الفضاء مادة للكتابة ويساعد في تفسير حياة الكاتب أوعمله.‏

- الأدب كمثيولوجيا :‏

يشير نور ثروب فري في كتابه " الخيال التثقيفي " 1984) إلى أن الأدب يقوم اليوم بالعمل نفسه الذي كانت تقوم به الأسطورة قديماً، لأن الأدب والمثيولوجيا ينتميان إلى العالم الذي يبنيه الإنسان لا إلى العالم الذي يراه. إن الأسطورة، وإن كانت كلاماً شعرياً، تميل إلى جهة العقل الأول، لأنها من طبيعة الثقافة لامن طبيعة الطبيعة. بهذا المعنى، إن دراسة الأساطير تعني بالنسبة للمقارن بداية الاقتراب من سؤال شعري في غاية الأهمية : ما هي الكتابة؟‏

يبدو أن تطور الأسطرة قد اندمج بتطور الحضارة نفسها، عبر سعي الإنسان للسيطرة التدريجية على كل ما هو خارج طبيعة العقل الأول، بفضل القدرات الخلاقة لهذا العقل.‏

تشترك الأساطير في هذا المشروع المطلق الذي عرّفه هولديرلان بهذه الكلمات : " يعيش الإنسان على هذه الأرض من خلال الشعر ".‏

الأشكال، والأجناس، والنماذج‏

استطاع فحص برنامج الدراسات المقارنة، المنطلق من الاتصالات والتبادلات لمعانقة العلاقات بين الثقافات، والذي يفصل في الاستخدام الشعري بين بعض المواد مثل الصور، والموضوعات، والأساطير، حتى الآن أن يدفع إلى التفكير بزيارة موجهة من مستقر إلى صالات متعددة :‏

ألم يرجع الفصل السابق إلى مجال يحس فيه المقارن أنه في بيته)؟ إلا إذا كان الانتقال من Mesolgie )(39) إلى دراسة الترجمة )، ومن علم الصورة) المتعلق بالصورة) إلى علم الموضوعات) و الميثيولوجيا) لا يذكّر المتدرب المقارني الساخر بالتهديدات المرعبة لـ Toinette) إلى سيدها، المريض الخيالي، أو بغارة لا نعرفها في مشفى غريب للآداب في الوقت نفسه. ومشفى الآداب عنوان حوار عذب للبرتغالي فرانسيسكو مانويل 48يلو في القرن السابع عشر.‏

ننتقل، في هذا الفصل، إلى مستوى أعلى بدقة أكثر، نستعير مرقاة توصلنا إلى مستوى نستطيع أن نكتشف منه منظورات نظرية. إن كلمة نستعير) هي الكلمة المناسبة. استفاد المقارن من تأملات قام بها منذ عقود عدة، منظرون مهتمون بالعشر ومنظرون .إن الأشكال والأجناس Morphologie) (40) وGénologie)(41) تعيّن مجالات ودراسات لايمكنها أن تنشد أي خصوصية مقارنية). ربما أن مفهوم النموذج) وحده هو الذي يفتح الطريق أمام تفكير أصيل، ويعبر عن إمكانيات التفكير النظري.‏

- مشاكل المورفولوجيا الأدبية :‏

عند طرحه المورفولوجيا) يؤكد كلوديو غوين في كتابه بحق أن الجانب الموضوعاتي) لاينفصل عن الجانب الشكلي) : ولم يفصلا إلا للسهولة أخذ هذا الإجراء هنا).‏

-المادة والشكل :‏

لايوجد شكل خالص )، هذا ما يكرره كلوديوغوين، ويستشهد بجان روسيه في شكل ومعنى )(42) الذي يحدد ما يضبطه النقد في عمل أدبي بهذه العبارات : " الازدهار المتزامن لبنية وفكر، ودمج شكل وتجربة يكون المكوّن والنمو فيهما متضامنين. كان يمكن أن يستشهد ببعض التأكيدات الأخرى، المأخوذة من مقدمة الكتاب نفسه، وهو خطاب حقيقي في المنهج) : يوجد العمل من خلال الاتحاد الوثيق بين شكل وخيال). إن خطوط القوة) و الرمز الملازم )، و شبكة الحضورات) أو الأصداء) في نص، و شبكة التقاربات )، تدعى بنيات) أو ثوابت شكلية). ولكن يجب التذكير بأن الأمر يتعلق بنقد) وليس بتاريخ أدبي) .من أجل استباق العلاقات بين الأدب والفنون انظر الفصل التاسع )، ومن أجل وضع التفكير بالمورفولوجيا الأدبية ضمن منظور ينفتح على الإبداع، بالمعنى الواسع، يمكن العودة، بصورة مفيدة، إلى الكتاب الصغير لمؤلفه مؤرخ الفن الكبير هنري فوسيلون (43) ، وإلى الفصل الموسوم أشكال ضمن المادة). فهو يؤكد أنه يجب التحرر من الثنائيات الضدية القديمة) التي هي المادة والشكل أو الروح والمادة، والتي يمكن مقارنتها بثنائية الشكل والجوهر )، إذا أردنا أن نفهم أي شيء عن حياة الأشكال).‏

ولأننا نريد أن نفهم أي شيء عن حياة الأشكال) الأدبية، فإننا نفكر بالسمة الثابتة، والدائمة، واللاإختزالية للتوافق المحكم بين الشكل والمادة). يجب اعتبار أن الشكل لا يؤثر كمبدأ فوقي، يقولب مادة سلبية) لأن المادة تفرض شكلها الخاص على الشكل). تؤخذ المورفولوجيا هنا ضمن العلاقات المركبة للشكل والمادة صورة، موضوع، أسطورة )، وكتتمة لتحولات عبر الانتقالات من نص إلى آخر، ومن أدب إلى آخر.‏

(1) سلسلة ماذا أعرف؟ العدد / 670/‏

(2) طبعة دي روشيه، 1988‏

(3) أي أن الموضوع ليس خارجاً عن نطاق عمله. المترجم )‏

(4) صدر عن دار سوي، 1957‏

(5) أندريه دابزي، في خاتمة كتابه، " وجوه فارست في القرن العشرين " P. U. f ، 1967‏

(6) مظاهر الأسطورة، غاليمار، 1963، القدسي والدنيوي، غاليمار، 1965.‏

(7) الحب والغرب، 1939، 10/18.‏

(8) انظر، أساطير وعلم الاساطير في الأدب الفرنسي، أ. كولان 1969، طبعة ثانية، 1980‏

(9) نهرليتيه : أحد أنهار جهنم، من يشرب منه ينسى ماضيه المترجم)‏

(10) الغوليم : من التراث اليهودي في أوروبا الشرقية، وهو كائن اصطناعي على هيئة بشرية يحيا للحظات عند تثبيت سورة من التوراة على جبينه المترجم)‏

(11) انظر تشكل الأساطير واستمرارها، أعمال ندوة نانتير 1974، باريس، الآداب الجميلة، 1977‏

(12) المينوثور : من الأساطير اليونانية. وهو وحش له رأس ثور، ولد من تزاوج باسيفا زوجة مينوس مع ثور أرسله الإله أبو سيدون حبسه مينوس في متاهة وكان يلقي إليه كل سنة سبعة أولاد وسبع بنات من أثينا ليلتهمهم .‏

(13) أسطورة نابليون، أ. كولان، 1971‏

(14) مطبعة جامعة أكسفورد، 1969، أخذت من محاضرات بين عامي 1948- 1949 .‏

(15) ميونيخ، ف، فينيك، 1977 .‏

(16) الغشتالية أو الصيغية : نظرية فلسفية ترفض تقسيم الظواهر النفسية والفيزيولوجية والجسدية إلى عناصر متمايزة، بل تعتبرها كلاً لا ينفصل وتسميها " صيغاً أو أشكالاً " ويؤدي تغيير ما إلى تغيير في كل الظاهرة.‏

(17) الداندية : طريقة في الغنج والأناقة، نشأت في انكلترا عام 1815 تقريباً‏

(18) قبل - الرافائيلي : نظرية الرسامين الإنكليز الذين أرادوا تجديد الرسم عن طريق تقليد الرسامين الإيطاليين السابقين لرافائيل.‏

(19) السنتور : كائن خرافي نصفه رجل ونصفه فرس كان يعيش في تّساليا، بحسب الأسطورة.‏

(20) عرب غرناطة في الأدب، 1956، أعيد طباعة هذه الدراسة عام 1989.‏

(21) ابن سراج : قبيلة مغربية في مملكة غرناطة في القرن الخامس عشر. استوحى شاتوبريان منها أقصوصته " مغامرات ابن سراج الأخير " 1826‏

(22) انظر ، سيمون فريس، أسطورة انتنيغون، أ. كولان، 1974، وجورج شتينر، الأنتيغونيات، غاليمار 1986‏

(23) انظر، ج بلوندل، الفردوس المفقود 1667- 1967 )، دارمينا، آداب حديثة، وجان جيلليه، الفردوس المفقود في الأدب الفرنسي، من فولتير إلى شاتوبريان، دار كلينكسييك، 1975.‏

(24) انظر، إيف جيرو، حكاية دافني الخرافية، دراسة حول نموذج التقمص النباتي في الأدب والفنون، جنيف، دروز، 1969.‏

(25) أشكال بسيطة، سوي، 1981‏

(26) أسطورة هيلين، أدوسا، 1984‏

(27) نقد أسطوري، نظرية ومسار، p.u.f. 1992‏

(28) كايوا دارس متخصص في القواعد، ويتحدث عن " مجاز بعيد "‏

(29) القراءة العكسية نوع من القراءة كان سائداً في العصر الوسيط حيث يتم عكس الحروف أو المقاطع.‏

(30) الأسطورة والأدب تحت تأثير التوأمة، P.U.F . 1967‏

(31) أ. كولان، 1974‏

(32) الاسم في الأصل بيبلوس، وهي مدينة فينيقية، تقع على بعد 35 كم شمال بيروت‏

(33) كادموس : أحد الأبطال الفينيقيين زوج هارمونيا، ووالد إينووسيميلي، والمؤسس الأسطوري لطيبة.‏

(34) فيلسوف وكاتب لاتيني، كتب حكايته الرومانسية " التقمصات، أو الحمار الذهبي " التي تصف مجتمع القرن الثاني. اتهم بالشعوذة فدافعت عنه أبولي. م)‏

(35) انظر، المشهد الافتتاحي، لسوبر هيروس تومباس، ترجمه إلى الفرنسية، أليجاندرا، سوي.‏

(36) انظر، إيفاكوشنر، أسطورة أورفي في الأدب الفرنسي المعاصر، نيزي، 1961‏

(37) ) انظر الرواية التي أعطاها فيرجيل في الجزء الرابع الجيورجي.‏

(38) باخوس هو إله الخمر عند الرومان‏

(39) دراسة التأثيرات المتبادلة بين الأوساط والأعضاء التي تعيش فيها.‏

(40) علم التشكل‏

(41) علم الداخل‏

(42) كورتي، 1963‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elawa2l.com/vb
جومانة
عضو vip
عضو vip
جومانة


انثى
عدد المساهمات : 6816
نقاط : 6982
تاريخ التسجيل : 02/11/2009

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالسبت 18 يناير 2014 - 21:52

الله يـع’ـــطــيك الع’ــاأإأفــيه ..
.. بانتظـأإأإأر ج’ـــديــــدك الممـــيز ..
.. تقــبل م’ـــروري ..


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أشرف على
admin

admin
أشرف على


ذكر
عدد المساهمات : 27639
نقاط : 60776
تاريخ التسجيل : 04/09/2009
الموقع : http://elawa2l.com/vb

الأوسمة
 :
11:

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالأربعاء 22 يناير 2014 - 5:13

شوك لمروركم وردكم الذى أسعدنى
أرق تحية من القلب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elawa2l.com/vb
استاذ عادل حسنى
عضو ذهبى
عضو ذهبى
avatar


ذكر
عدد المساهمات : 287
نقاط : 303
تاريخ التسجيل : 28/09/2013
العمر : 50

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالأحد 31 أغسطس 2014 - 8:10

موضوع مفيد جدا جزاك الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shadow
عضو vip
عضو vip
shadow


ذكر
عدد المساهمات : 3980
نقاط : 3981
تاريخ التسجيل : 11/12/2014
العمر : 25

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالإثنين 8 يوليو 2019 - 10:47

جزاك الله خيراً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأدب والفنون فى كتاب الأدب العام المقارن
» الـــصـور فى كتاب الأدب العام المقارن
» الاتصالات والتبادلات فى كتاب الأدب العام المقارن
» البحث وعلم أصول التدريس فى كتاب الأدب العام المقارن
» الأشكال والأجناس فى كتاب الأدب العام والمقارن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شنواى  :: القسم الأدبى والثقافى :: مكتبة اللغة العربية-
انتقل الى: