منتدى شنواى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة شنواىأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 وقفة مع بعض الأنبياء ونبي الإسلام محمد (ص)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
السيد الديب
عضو ذهبى
عضو ذهبى
avatar


عدد المساهمات : 245
نقاط : 741
تاريخ التسجيل : 18/12/2009

وقفة مع بعض الأنبياء ونبي الإسلام محمد (ص) Empty
مُساهمةموضوع: وقفة مع بعض الأنبياء ونبي الإسلام محمد (ص)   وقفة مع بعض الأنبياء ونبي الإسلام محمد (ص) Emptyالإثنين 28 ديسمبر 2009 - 18:27

عليه السلام):

ورد في علل الشرائع أنه سأل الشامي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن اسم نوح ما كان؟ فقال: (اسمه السكن وإنما سمي نوحاً لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً) وفيه عن الصادق (عليه السلام) كان اسم نوح ، عبد الغفار وإنما سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه. وفي قصص الأنبياء عن الصدوق بإسناده إلى وهب قال: إن نوحاً (عليه السلام) لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يسموهم يدعوهم إلى الله تعالى فلا يزدادون إلا طغياناً ومضى ثلاثة قرون من قومه وكان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيوقفه على رأس نوح (عليه السلام) فيقول يا بُني إن بقيت بعدي فلا تطيعّن هذا المجنون.

وقيل إنه كان نجاراً ولد في العام الذي مات فيه آدم (عليه السلام) وبعث وهو ابن أربعمائة سنة وكان يدعو قومه ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً كما يقول القرآن الحكيم:

(قال ربي إني دعوتُ قومي ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ، ثم إني دعوتهم جهاراً، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم أسراراً). [سورة نوح: الآيات 5 - 9].

وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وكانوا يثورون إلى نوح (عليه السلام) فيضربونه حتى تسيل مسامعه دماً وحتى لايعقل شيئاً مما صُنع به فيُحمل ويُرمى في بيت أو على باب داره مغشياً عليه...

قال ابن عباس كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس إنه مجنون وإذا آمن أحد بنوح أخبرت الجبابرة من قوم نوح به(19).

وبعد معاناة كبيرة استطاع أن يوجد طبقة مؤمنة صغيرة والغالبية الكبرى لم يؤمنوا به حتى نفذ صبره فدعا على قومه:

(قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً). [سورة نوح: الآية 26].

فأمره سبحانه بصناعة السفينة كما قال عز وجل: (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين). [سورة الشعراء: الآية 116].

(فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا). [سورة المؤمنون: الآية 27].

فصنعها ثم جمع المؤمنين وحملهم بالسفينة مع أجناس الحيوانات من كل جنس زوجين:

(حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا اُحمل فيها من كل زوجين أثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن...). [سورة هود: الآية 40].

فانزل الله سبحانه الأمطار الغزيرة وفار التنور فصارت الفيضانات العارمة وحملت السفينة لوحدها وتم غرق الكافرين وله موقف مع ابنه حيث عصاه وانهزم إلى الجبل ويحدثنا الكتاب العزيز عن ذلك:

(يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين). [سورة هود: الآية 42].

فقال ابنه: (سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء). [سورة هود: الآية 43].

فلم ينفعه هذا الإيواء فغرق مع الكافرين وهكذا فإن في قصة النبي نوح المباركة مع قومه عِبَر وشواهد جليلة ليس موضعها هذا الكتاب العقائدي وإنما أشرنا إليها إشارة سريعة لاستكمال فصل النبوة بذكر بعض الأنبياء (عليهم السلام) ومعاناتهم وقصصهم مع البشرية.

وبعد أن انتهى أمر الكافرين أنزل الله على نوح (قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منّا وبركات عليك وعلى أمم ممّن معك وأمم سنمتّعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم). [سورة هود: الآية 48].

فنزل نوح مع المؤمنين ووضعوا الحجر الأساس للحضارة البشرية من جديد فلهذا يعد النبي نوح (عليه السلام) الأب الثاني للبشرية بعد النبي آدم (عليه السلام).


إبراهيم الخليل (عليه السلام):

أبو الأنبياء وثاني أُولي العزم وخليل الرحمن قال سبحانه:

(ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين). [سورة آل عمران: الآية 67].

جاء في (علل الشرائع) مسنداً إلى الرضا (عليه السلام) قال: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلاً لأنه لم يَرُدّ أحداً قط ولم يسأل أحداً غير الله عز وجل.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): ما اتخذ الله إبراهيم خليلاً إلا لإطعامه الطعام وصلواته بالليل والناس نيام وقال سبحانه:

(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله). [سورة الممتحنة: الآية 4].

النبي إبراهيم الخليل نادى بالتوحيد أي الإيمان بوحدانية الله عز وجل، خاصمه الطاغية نمرود بن كنعان وهو أول من تجبّر وادّعى الربوبية، وكان له منجم اسمه (آزر) فأخبره بولادة شخص ينازعه في ملكه، فغضب الملك فأمر بتفريق الزوج عن زوجته وقتل الأولاد لكن شاءت إرادة الله بحمل إبراهيم وبولادته بالشكل السري بقدرته تعالى.

وكان آزر عم إبراهيم هو النحات للأصنام كان يعملها ويعطيها لأولاده ليبيعوها في السوق ولما كبر إبراهيم أعطاه بعض الأصنام ليبيعها بالسوق فكان يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الأرض ويقول: من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه؟ فيمسكها ويغرقها بالماء ويلعب بها ويقول لها اشربي وتكلمي... وفي يوم عيد لأهل زمانه خرج نمرود وجميع الناس وكره إبراهيم الخروج معهم فوكّل ببيت الأصنام فلما ذهبوا عمد إبراهيم إلى أصنامهم فحطمها الواحد تلو الآخر ثم علق الفأس في عنق كبيرهم، ولما عادوا قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين فقالوا ههنا فتى يُقال له إبراهيم هو الفاعل وكما ورد في القرآن المجيد:

(قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يُقال له إبراهيم). [سورة الأنبياء: الآيتان 59 - 60].

فجيء به إلى نمرود فسُئل عن هذه الفعلة: (قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون). [سورة الأنبياء: الآية 63].

يقول الإمام الصادق (ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم) لأنه إنما قال فعله كبيرهم هذا إن نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئاً وبعد الاستشارات فيما بينهم اتفقوا على حرقه فحبسوا إبراهيم وجمعوا له الحطب وأضرموه بالنيران وبنوا لنمرود قصراً يشرف على التعذيب الذي ينتظر إبراهيم في هذه النيران وكانت النار شديدة جداً حتى أن الطائر في مسيرة فرسخ أعلى من النار يحترق ويسقط هاوياً فيها من شدة النار، فرموه في النار! فأوحى الله عز وجل للنار:

(قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم). [سورة الأنبياء: الآية 69].

ثم خرج إبراهيم من النار وجاء إلى نمرود ليدعوه إلى الدين من جديد فدخلا في مناقشات حادة فسأله نمرود من ربك؟ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت - هنا - قال تعالى:

(ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أُحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأْتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين). [سورة البقرة: الآية 258].

فورد أن إبراهيم قال له كيف تحيي وتميت؟.

قال نمرود أطلب رجلين ممّن وجب عليهما القتل فأطلق واحداً وأقتل واحداً فأكون قد أمتّ وأحييت.

فقال له إبراهيم إن كنت صادقاً فأحي الذي قتلته فلم يحر جواباً ثم أدخله إبراهيم في تساؤل أكثر وضوحاً وأقوى حجةً كما في الآية المباركة: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأْت بها من المغرب فبهت الذي كفر).

فانتصر إبراهيم في المناقشة الفكرية على طاغوت زمانه بالحجة العقلية الدامغة للباطل. وتبقى مسيرة النبي إبراهيم (عليه السلام) مناراً للهداة والمصلحين.


أيوب (عليه السلام):

(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين). [سورة الأنبياء: الآية 83 - 84].

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه ثماني عشر سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه).

وقال الحسن: (مكث أيوب (عليه السلام) مطروحاً على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهر تختلف فيه الدواب ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق غير رحمة وهي زوجته صبرت معه، وأيوب لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه..).

وقيل إنه اشتد مرضه حتى تجنّبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخروجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم منه ولم يشكُ الألم الذي كان من أمر الله.

وقال النبي (صلى الله عليه وآله) (أعظم الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل).

ويُذكر أن أيوب حينما ذهب ماله وجماله وحلاله من الغنم والزرع كثر الشامتون عليه فقال (عليه السلام) حمدلله حين أعطاني وحين نزع مني، عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود في التراب وعرياناً أحشر إلى الله تعالى.

بل كلما كان يفتقد من النعم كان يزداد شوكً لله عز وجل حتى تسلط المرض على بدنه فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهراً يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها: ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله فيه.

وكانت أمرأته تذهب للناس لتأخذ له طعاماً فتأتي وتلقمه حتى مُنعت من العطاء إلا باعطائهم ذؤابتها الجميلة وبالفعل فعلت ذلك فكانت المحن المتتالية على النبي أيوب (عليه السلام) شديدة وكلما اشتدت أكثر كان إيمانه يزداد أيضاً فيشكر الله عز وجل وإلى أن عافاه الله من علته حيث قال تعالى:

(اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب). [سورة ص: الآية 42].

فاغتسل بعين ماء نبعت له فشفي من الأمراض الظاهرية وعين شرب منها فشفي من الأمراض الباطنية بإذنه تعالى..


النبي موسى (عليه السلام):

ظروف ولادته كانت عسيرة جداً حيث كان الطاغية فرعون - فرعون موسى - يراقب ولادات النساء ليقتل الذكور منهم خوفاً من ولادة موسى هذا النبي الذي سينشر الدين الإلهي الجديد والذي سينتصر على أعدائه ويبطل سلطان فرعون فبدأ الطاغية فرعون بقتل الأطفال الذكور من بني إسرائيل حتى قتل نيفاً وعشرين ألف مولود بالإضافة إلى تعذيب الرجال والنساء في الأعمال الشاقة كالبناء الشاهق - الأهرامات - حتى إنه كان يقيد الرجال بأرجلهم ويأمرهم بنقل الطين ومواد البناء إلى السطوح فكان يقع الكثير منهم فيموتون أو تكسر أرجلهم.

وأم موسى في خوف كبير من خبر حملها وكان فرعون قد نشر عيونه في كل بيوت بني إسرائيل فكانت امرأة تراقب أم موسى لحظة بلحظة لتكتشف جنس الوليد ولكن بقدرة الله وعنايته بدأ التحابب بين المراقبة هذه وأم موسى حتى أنها واعدتها بكتمان أمرها ففي هذه الظروف الإرهابية ولد موسى (عليه السلام) وبحضور المراقبة أيضاً واجتمع على الباب جمع من عناصر فرعون المأمورين بقتل الأولاد الذكور فلما وضعت أم موسى فإذا به موسى فنظرت أم موسى للمرأة المراقبة نظر الاستعطاف والحنان فطمأنتها فخرجت إلى الحرس وأخبرتهم أنه دم منقطع دون جنين فانصرفوا، وكانت تخاف أم موسى أن يبكي موسى فيسمع الجيران صوت بكائه فيخبرون عنه فألهمها الله سبحانه:

(فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني...). [سورة القصص: الآية 7].

وبالفعل صنعت التابوت الخشبي ووضعت فيه الرضيع ثم طرحته في النيل وقلبها مع الطفل وهي ترميه في النهر.

(إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين). [سورة القصص: الآية 7].

والعناية الإلهية ربطت فؤاد أم موسى أن تبوح بسره حتى وصل التابوت إلى قصر فرعون ورأت (آسيا) امرأة فرعون الصالحة المؤمنة هذا الصندوق ويحكي لنا القرآن الكريم فيقول:

(وقالت امرأة فرعون قرّتُ عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون). [سورة القصص: الآية 9].

وتبنّت موسى (عليه السلام) طفلاً صغيراً وفرضته على فرعون ثم طلبت له مرضعاً وما كان يقبل ثدياً إلا ثدي أمه فكُلفت بهذه المهمة.

(وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق). [سورة القصص: الآيتان 11 - 12].

وترعرع موسى في حجر أمه الحنون وحماية عدوه وعدو الله فرعون واستمرت به الحياة إلى أن قتل أحد أعدائه منتصراً لشيعته فأصبح خائفاً يترقب ردود الفعل:

(فأصبح في المدينة خائفاً يترقب..). [سورة القصص: الآية 18].

وحينما أعلن عن دعوته للدين الجديد ونزل في بني إسرائيل داعياً يدعوهم، رَأى الناس فيه علامات النبي المنقذ فأراد فرعون قتله فجمع أصحابه واستشارهم بأمر قتله وكان خازن فرعون مؤمناً بنبوة موسى كاتم الإيمان كلما أراد أن يدافع عن موسى بالأسلوب الهادئ ما استطاع فاتصل بالنبي موسى وأخبره بالمؤامرة.

(وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خائفاً يترقب قال ربِّ نجني من القوم الظالمين). [سورة القصص: الآيتان 20 - 21].

فخرج موسى (عليه السلام) من بلد فرعون - مصر - إلى مدين وبدأت قصته في مدين من موقف البئر. فنظر إلى ناحية فإذا بجاريتين معهما غنم تنتظران دورهما في السقي فساعدهما موسى بل ساعد الجمع كله وكان قوي الجسم ولوحده استطاع أن يملأ الدلو الكبير ويسحبه من البئر... فعادت إحدى الجاريتين لتخبره بأن أباها يطلبه ليكرمه بعد أن سمع أبوهما النبي شعيب (عليه السلام) قصة النبي موسى (عليه السلام) فذهب إلى دار شعيب. وقصّ عليه قصته:

(قال لا تخف نجوتَ من القوم الظالمين). [سورة القصص: الآية 25].

ثم تزوج من إحدى بنات شعيب لقوته وأمانته حيث قالت: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين). [سورة القصص: الآية 26].

فقوته في السقي وأمانته حيث أن إحدى البنتين أرادت أن تدله على الطريق فرفض أن تمشي أمامه بل هي تمشي من خلفه وتدله على الطريق وبالفعل تزوجها مقابل الأجرة لمدة ثماني سنين بإضافة سنتين أخرتين لو قضاهما موسى كان تفضلاً من موسى وبالنتيجة خدم عمه شعيباً عشر سنوات تفضلاً منه، وبعد انتهاء الأجل أراد موسى أن يعود لوطنه الأم مصر فزوّده شعيب بعدد من الغنم لمعيشته مع زوجته وسلّمه عصا إبراهيم الخليل (عليه السلام).. وانطلقا - موسى وزوجته - مع الغنم كذلك متوجهين إلى مصر وفي المسير ضيع طريقه واشتد البرد وهبت العواصف الشديدة وخيم الظلام الدامس وهو في تلك الحالة المتأزمة فإذا به يرى ناراً من جانب الطور.

(قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون). [سورة القصص: الآية 29].

وحينما وصل إلى النار رآها شجرة ملتهبة أراد أن يأخذ منها شيئاً من النار فأهوت نحوه ففزع منها ورجع وعادت النار إلى الشجرة فـ (نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين). [سورة القصص: الآية 30].

(وأن ألقِ عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولّى مدبراً ولم يعقب).

فطمأنه الله سبحانه:

(يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين). [سورة القصص: الآية 31].

عاد موسى إلى عصاه وهو في شدة الخوف والفزع يرتعد خوفاً لكنه اطمأن بالنتيجة وأصبحت آيته الكبرى ودليله الأعظم على نبوته في زمن كان السحر في قمته..

وكانت له آية أخرى: (أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء). [سورة القصص: الآية 32].

فنودي: (اِذهب إلى فرعون إنه طغى). [سورة طه: الآية 24].

فبدأت مسيرته الجهادية ومواجهته المباشرة مع الطاغية فرعون وطلب من الله مآزرة أخيه هارون له وتمت الموافقة الإلهية فأمرهما بالذهاب لفرعون:

(فقولا إنّا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك). [سورة طه: الآية 47].

سألهما عن الدليل فبيّن موسى الدليلين له.. فغضب فرعون وبدأ يذكره بالماضي (ألم نربّك فينا وليداً) صغيراً (ولبثت فينا من عمرك سنين).

(وفعلت فعلتك التي فعلت). [سورة الشعراء: الآيتان 18 - 19].

أي قتلت أحد أصحابي فأراد هو قتل موسى فلم يستطع بقدرة الله فبدأ يحاججهما مَنْ ربكما؟ ومن أنتما؟ وانتهت المجابهة بانتصار موسى بالأدلة الملموسة الدامغة فانفتحت بوابة الاتهامات فاتهم موسى بالسحر والكذب وحدّدا موعداً للمباراة بين موسى وبين السحرة من جماعة فرعون وتمت المباراة أمام أعين الناس في يوم عيد، وانتهت كما في القصة المعروفة بانتصار موسى وهزيمة فرعون وسحرته.

قال عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ، قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم، وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبَطَلَ ما كانوا يعملون). [سورة الأعراف: الآيات 115 - 118].

فصارت عصا موسى: (تلقف ما يأفكون). [سورة الشعراء: الآية 45].

فأول من عرف الحقيقة هم السحرة فسجدوا لإله موسى وآمنوا به (فأُلقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين). [سورة الشعراء: الآيتان 46 - 47].

آنذاك بدأت الاعتقالات في صفوف المؤمنين بموسى والتصفيات الجسدية حقداً عليهم فأنزل الله سبحانه غضبه على فرعون وقومه فأنزل الطوفان والجراد والقمل والضفادع والرجس والطاعون على قوم فرعون فكان فرعون مضطراً للتوجيه بالطلب من موسى ليدعو ربه للنجاة لقاء اطلاق سراح المؤمنين المعتقلين من بني إسرائيل فكان يدعو موسى دون أن يفي فرعون بعد انتهاء الأزمة وأخيراً أطلق سراحهم بعد رفع الطاعون ففكر موسى وقومه بالهجرة من مصر وبالفعل هاجروا خوفاً وذعراً فعلم فرعون بذلك فلحقهم للبحر وبعد أن فلق الله البحر لموسى وصحبه فدخلوا في البحر وخرجوا من الجانب الآخر وفرعون بجنوده دخلوا ورائهم استجابةً لطغيانهم وغرورهم فلما خرج موسى من الطرف الآخر أخذ عصاه - التي هي سبب انفلاق البحر بإذن الله تعالى - فعاد الماء إلى طبيعته فغرق فرعون بجنوده.

(فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون). [سورة البقرة: الآية 50].

وبعد انتصار موسى في البحر وغرق فرعون ، طفت جثته إلى السطح وعلى الساحل لتكون عبرة لمن استعبر.

وابتدأت مرحلة جديدة لموسى (عليه السلام) بعد انتهاء دور الطاغية فرعون علماً بأنه (عليه السلام) مرّ بتجارب عصيبة مع قومه منها قصة القتيل الذي جاء به ابن عمه للنبي موسى (عليه السلام) يريد أن يعرف قاتله فأمر سبحانه بذبح بقرة وضربها بالميت ليجلس الميت ويخبر عن القاتل فبدأوا يتململون في الأسئلة.. ما لونها.. ما هي.. المهم ذبحوها بالنتيجة وبالفعل قام الميت وأخبرهم بأن ابن عمه هو القاتل لخلاف بينهما حول الزواج من امرأة..

(فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلقك آية). [سورة يونس: الآية 92].

أراد موسى أن يدخل بلاد الشام فرفض قومه: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون). [سورة المائدة: الآية 24].

خوفاً من الجبارين الحاكمين في الشام فعاقبهم سبحانه بالتيه: (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين). [سورة المائدة: الآية 26].

يعني في حيرة من أمرهم لا يرجعون إلى بلادهم مصر ولا يدخلون الشام ضائعين في الأرض.

النبي عيسى (عليه السلام):

الحديث عن النبي عيسى (عليه السلام) يجبرنا أن ننسحب للحديث عن مريم الطاهرة أُم النبي عيسى حيث ظروف الولادة المتميّزة والتي هي بحد ذاتها دلالة واضحة على معجزة النبي عيسى وجذور المسألة تمتد إلى المرأة الصالحة حنّانه واختها حنّة فتزوج النبي الكريم زكريا من حنانة وتزوج الرجل الصالح عمران من حنة ولم يرزقا أولاداً مدة من الزمن وبعد فترة طويلة من الحياة السعيدة المشوبة بالأسى والحزن من ناحية عدم الانجاب حنلت (حنة) من زوجها عمران لتلد وليداً تنتظره طويلاً وإذ هي حامل وعمران يشكر الله سبحانه على هذا العطاء أرادة أن تقابل هذا الإحسان بشيءٍ من الشكر فنذرت أن يكون هذا الوليد (محرّراً ) أي وقفاً للخدمة في بيت المقدس ولكن شاء الله سبحانه أن تضع أنثى ومن الصعوبة أن تطبق نذرها حيث أن للأنثى ظروفها المانعة من تحقيق هذا النذر الذي يستوجب البقاء في بيت المقدس والخدمة الدائمة والعبادة المستمرة وهي لاتناسب وضعية المرأة (إذ قالت امرأة عمران ربّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) المهم أنها ولدت أنثى وسمتها مريم ومعناها العابدة (فلما وضعتها قالت (أمها حنة) ربّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى، وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). [سورة آل عمران: الآيتان 35 - 36].

وبالفعل إنها لمسيرة صعبة تنتظرها و(حنة) هذه الأم الحنون لا تعلم دور مريم وما تلاقيه في المستقبل من مجتمعها حينما تضع عيسى ابن مريم من دون أب وهي لا تدري ماذا يكمن لها الغيب؟ هذا وإنها كانت تعاني من أزمة نفسية وخصوصاً أنها بدأت تقاوم وتتحدى الأمور الصعبة لوحدها حيث توفي زوجها الصالح قبل ولادة (مريم).

وهذه المرأة الصالحة (حنة) نفذّت النذر المقدس فحملت مريم في قماطها وجاءت بها إلى بيت القدس ودفعتها إلى الرهان والعُباد وأخبرتهم بأمرها - بأنها نذر وهي بنت عمران صديقكم - فرحّبوا بالطفلة مريم واختلفوا في أمر كفالتها ورضاعتها وكان (زكريا) (عليه السلام) زوج حنانة أُخت حنة أحدهم فأراد أخذها بأنه أقرب الناس بها صلة حيث زوجته خالة مريم، أُخت أُمها حنّة فرفض الأحبار اقتراح زكريا فقرّروا الاقتراع ففاز النبي زكريا (عليه السلام) بكفالتها.

يقول الله العظيم في كتابه العزيز: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم - من الحديد كانوا يكتبون بها التوراة فيرمونها بالماء فالطافي من الأقلام يفوز بالاقتراع - أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصون). [سورة آل عمران: الآية 44].

فتربت في بيت زكريا يقول سبحانه: (فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا). [سورة آل عمران: الآية 37].

فكبرت وترعرعت عند زكريا فخصص لها غرفة عالية لغرض عبادتها وانقطاعها لربها وكانت في غرفة منعزلة من الصعوبة الوصول إليها وكان زكريا يعتني بها كثيراً ودخل عليها ذات مرة وإذ به يجد لديها فواكه متعددة وطعاماً لذيذاً تحيّر من الأمر وكانت تشتد حيرته حينما يرى فواكه الصيف في الشتاء وبالعكس كلما دخل عليها في محرابها. لذلك يقول القرآن العظيم:

(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاًَ قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). [سورة آل عمران: الآية 37].

وهي مشغولة بالعبادة جاءها نداء غيبي: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاكِ وطهركِ واصطفاكِ على نساء العالمين، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين). [سورة آل عمران: الآيتان 42 - 43].

ومع مرور الأيام الطويلة رزق الله سبحانه زكريا ولداً وسماه يحيى: (يا زكريا إنّا نبشرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا). [سورة مريم: الآية 7].

أما مريم الصديقة الطاهرة وهي مشغولة في عبادتها بعث الله سبحانه رسولاً منه ليهبها ولداً: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً).

في هكذا ظروف ومريم العفيفة الباكر خافت على سمعتها وشرفها وعفافها من هذا الشاب المرسل فبدأت تنصحه:

(قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قال (جبرئيل) إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيّاً، قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً، قال كذلك قال ربك هو عليَّ هيّن ولنجعله آيةً للناس ورحمةً منا وكان أمراً مقضياً). [سورة مريم: الآيات 18 - 21].

فحملت بالنبي عيسى (عليه السلام) بهذا الأسلوب الغيبي ومن المؤكد أن مريم عاشت القلق والضغوط النفسية والاجتماعية نتيجة لهذه الطريقة غير المألوفة ولكن إيمانها بالله سبحانه كان هو الضمانة لصبرها وكرامتها وبالفعل كانت ضغوطاً عسيرة تحيطها من جانب.

(فأجاءها المخاض إلى جذعِ النخلة قالت يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً). [سورة مريم: الآية 23].

وأول معجزة يسجلها عيسى (عليه السلام) على الأرض أنه كلّم أمه وهدّأ روعها (فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) ماءً سارياً فانفجرت الأرض ماءً بعد أن ضرب المسيح رجله على الأرض.

(وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رُطباً جنياً، فكلي واشربي وقري عينا). [سورة مريم: الآيات 25 - 26].

وعلَّمها طريقة التخلص من ألسنة الناس الذين سيواجهون أمه باللوم تارةً وبالتهمة تارةً أخرى بتحويل المسألة إليه ليجيبهم بقدرة الله سبحانه فقد قال في محكم الكتاب الكريم: (فامّا تريّن من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً، فأتتْ به قومها تحمله) - وهي فرصة لهذه التطمينات والإجابات الحية والدامغة - .

(قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّا - عجيباً - يا أخت هارون ما كان أبوكِ امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيا). [سورة مريم: الآيات 27 - 28].

هارون رجل الصلاح فحينما يريدون أن يصفوا إنساناً بالصلاح يقرنوه بهارون (فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبياً). انطلق الصبي الرضيع بالإجابة الوافية والرد الشافي للشبهات المرفوعة عليه وعلى أمه الطاهرة.

(قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً). [سورة مريم: الآيات 30 - 32].

فعرف الناس أنه المولود الذي ينتظرونه لكي ينقذهم من الجهل والضلال إلى نور الهداية والاستقامة والصلاح واعترف كثير من رهبان اليهود وعظمائهم بأنه المسيح المنتظر لانقاذ الأمة من الويلات.

ومرت الأيام وبدأ ينشر رسالته مستنداً على المعاجز الإلهية التي تجري على يديه فهو الذي كلّم الناس في المهد صبياً ومعجزته في القضايا المستعصية بالطب من إشفاء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى هذه المعجزة كانت مناسبة لزمانه حيث تطور الطب ووسائله ومن الطبيعي بدأ اليهود بالتشكيك والتكذيب (فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين) ولكن التأييد الإلهي المطلق للنبي عيسى وظهور المعاجز الكبرى على يديه مما أحبط مؤامرات الأعداء فقد قال سبحانه:

(إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبيّنات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين). [سورة المائدة: الآية 110].

فاستطاع النبي عيسى بهذه المعاجز الجبارة وبسموه الخلقي العالي وتقشفه بالحياة أن يؤثر في بعض الناس ويهديهم إلى الصراط المستقيم على عكس المعاندين المتضررين بالدعوة الجديدة فأصبح من الناس الحواريون الملازمون للنبي عيسى واستطاع بجهده المبارك في التبليغ والشفاء أن ينشر الدين الجديد ويروى أن المسيح (عليه السلام) شفى خمسين ألف إنسان في مختلف الأمراض المستعصية. والحواريون كان لهم الدور البارز في مساعدة النبي في نشر الدين ويُقال أن أحد الحواريين أرسله النبي (عليه السلام) إلى الروم وزوّده بمعجزة إبراء الأكمه والأبرص فذهب للتبشير وهنالك كان بإمكانه معالجة أي مريض وشفائه بإذن الله فعظم أمره فدعاه الملك وحاججه ثم أتى له بغلام منخسف الحدقة لا عين له قائلاً له إن كنت صادقاً فابرئ هذا الغلام فَوضَع الحواري بندقيتين من الطين مكان عيني الغلام ودعا ربه سبحانه فإذا به بصير يرى كل شيء فآمن الملك بالمسيح (عليه السلام) وقرّب الحواريين لمنزلةٍ رفيعةٍ. وكثيرة هذه القصص التي كانت تساعد المبشرين في مواقفهم وتساعد المسيح (عليه السلام) في اقناع الناس للدين المسيحي فكان يحيي الأموات الذين ماتوا منذ زمنٍ سحيق لغرض خلق الحالة الإيمانية في نفوس الناس.

وهكذا استطاع النبي المسيح (عليه السلام) أن يدخل قلوب المهتدين ويبدأ الحسد بدوره الخبيث في قلوب المعاندين والكافرين فكانت المواجهة والمعاناة والآلام التي لحقت أصحاب الحق كبقية الأنبياء وأتباعهم.

النبي محمد (صلى الله عليه وآله):

ولد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في مكة المكرمة في تموز عام 570 للميلاد ضمن ظروف اجتماعية خاصة يسودها الجهل والتخلف وإلى جانب ذلك كان يشكو منها الضعيف والفقير والمحروم لأن لغة الغاب كانت هي المسيطرة على السلوك العام فالقوي يستغل الضعيف والظالم يأكل المظلوم، كل ذلك دفع المجتمع بالتفكير الجدي نحو الخلاص من القلق والاضطراب والحروب والاعتداء بالاضافة إلى وجود الخلفية الفكرية لدى الناس وبالذات الخلفية الدينية المنتظرة للمنقد والمصلح وهو نبي آخر الزمن، يقول القرآن الكريم: (وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين) فكانت حالة الانتظار لهذا المولود المنقذ موجودة لدى عموم البشرية والعارفين منهم والمستضعفين أيضاً وفعلاً بزغ النور الإلهي على يد الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) ليضع حداً لحالات الاستغلال وإراقة الدم والتقهقر والسلبية ويزرع بوادر الخير والصلاح والايجابية في شتى ميادين الحياة والسلوك فولادة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت ولادة العدل والحق والحرية وهي بداية انقشاع الظلم عن الناس. فبلّغ برسالة الناس التي تعتبر بحق رسالة الحياة بكل معنى الكلمة الخاص والعام للحياة الدنيوية والأخروية وبيّن القوانين الإلهية الصغيرة والكبيرة التي تحيط الإنسان والمجتمع ضمن ضوابط قانونية محددة فدخل القانون الإسلامي إلى البيت والأسرة والشارع والعمل بكل صنوفه تجارة وصناعة وزراعة بل قنّن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وكان الرمز الأول والقدوة الحسنة للمسلمين على مر العصور.

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). [سورة الأحزاب: الآية 21].

والنبي (صلى الله عليه وآله) هو القدوة الحسنة الذي مارس دوره في تطبيق القرآن الكريم بالخطوات الميدانية التي أصبحت مكملة وموضحة لتعاليم القرآن الكريم فصار قول النبي (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره لوائح القانون الإسلامي بعد القرآن. فكان يفكر في حل أزمات الفرد والمجتمع قبل البعثة وبعدها فكان تفكيره للمصلحة العامة فيفكر ويجهد نفسه خدمة للمجتمع ويضحي خدمة للناس ويقدم للأمة كل ما يستطيع لأجل إنقاذهم وإصلاحهم فبلغت أخلاقه الذروة العليا فقد وصفه سبحانه في محكم كتابه:

(وإنك لعلى خلقٍ عظيم). [سورة القلم: الآية 4].

كان (صلى الله عليه وآله) بعيداً عن حب ذاته وحب الدنيا والشهوات لا تأخذه في الحق لومة لائم معروف بالصدق والأمانة منذ صغره فكان يلقب (بالصادق الأمين) وعُرف بين أهله وعشيرته بأنه رجل الصلاح والخير وعرف بأنه ناصر المظلوم ورافض الظلم والظالم دون خوف أو وجل. اشتهر في الأوساط الاجتماعية - قبل البعثة - بأنه رجل الاستقامة ومثال العدل والإنصاف - حتى أن أعداءه شهدوا له بهذه الصفات السامية قبل بعثته وبعدها وقصة الحجر الأسود واختلاف القبائل العربية فيمن ينال شرف الرفعة والمكانة العالية بوضع الحجر في موضعه بعد البناء، وكاد السيف أن يقع بين العرب آنذاك لولا اتفاقهم على تحكيم أول من يدخل باب البيت الحرام وكان الداخل رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) قالوا: هذا محمد، هذا الأمين قد رضينا به يعني حكماً وبالفعل عالج الأمر بحكمته فجعل الشرف يتوزع على حملة الرداء الحامل للحجر الأسود وكل القبائل ساهمت برفعه عبر مندوبيها وقضى على الفتنة في مهدها ، وكثيرة هذه المواقف قبل بعثته (صلى الله عليه وآله).

أما بعد البعثة فيكفي أن أعداءه يعترفون بسموه الخلقي ونبله وشرفه ففي مرة صعد (صلى الله عليه وآله) جبل الصفا فقال:

يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لكَ؟ فقال: (أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني). قالوا: بلى قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد).

المهم أنهم يصدقونه في الخبر مهما كان نوعه لأنهم لم يعهدوه كاذباً قط.. وما أجمل ذلك اللقاء بين هرقل ملك الروم وبعض تجار قريش بعدما وصلت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) لهرقل يدعوه للدين الجديد.. فسأل هرقل عن معارف الرسول (صلى الله عليه وآله) فأجاب أبو سفيان: أنا أقربهم نسباً. قال له هرقل: هل أنتم كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فأجاب أبو سفيان بالنفي حيث جرى الحق على لسانه وسأله هرقل: هل يغدر؟ أجاب بالنفي وهنا نردد مقولة الشاعر - والفضل ما شاهدت به الأعداء - فأبو سفيان ألد أعداء النبي (صلى الله عليه وآله) لا يجرؤ باتهام النبي (صلى الله عليه وآله) بالكذب أو الغدر أو الخيانة وهذا أبو جهل ألد أعدائه أيضاً يقول عنه (إن محمد لصادق وما كذب محمد قط) فلذلك نلاحظ أن تأريخه يمتاز بسمعة جيدة ونزيهة تحيط بشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) هذا التاريخ الشامخ خدمه كثيراً في صراعه مع الجاهلية وصدق الله حيث يقول:

(الله أعلم حيث يجعل رسالته). [سورة الأنعام: الآية 124].

فهو (صلى الله عليه وآله) مهيّأ لهذا الدور الكبير في حمل الأمانة الإلهية والرسالة المباركة والنجاح في تبليغها ومن صور تأريخه الشخصي أن قلبه النقي الطاهر كان يتألم لظواهر الفساد والانحراف والجهل في الأمة فكان يعتزل الناس ليناجي ربه الكريم في غار حراء غارق في مناجاة ربه الجليل تم تبليغه بالأمر فقد اختاره الله سبحانه للنبوة وبعث إليه الأمين جبرائيل ليبلغه الرسالة فنزل عليه بقوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق....).

هذا وقلنا فيما مضى إن البشرية كانت تنتظر البشير المنقذ والذي ساعد على الانتظار بشائر الكتب السماوية من التوراة والإنجيل ببعثته (صلى الله عليه وآله).

(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم..). [سورة الأعراف: الآية 157].

فكانت البشرية تنتظر هذا النبي المصلح الذي سيخرجها من الظلمات إلى النور وكانت الكتب السماوية قد هيّأت الأذهان لهذا الرسول المنقذ وفي سورة الصف؛ الآية: 6 قال تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).

وكان القساوسة والرهبان قد بيّنوا علامات وأوصاف النبي الجديد حسب ما صورته أسفارهم المقدسة وبالفعل دخل منهم للإسلام من آمن بتشخيص تلك الصفات في النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومنهم (ابن حواشي) من كبار اليهود وعلمائهم ترك الشام قاصداً الحجاز ينتظر خروج النبي المصلح وأوصى عند موته: (تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور لنبيٍّ يُبعث هذا أوان خروجه يكون مخرجه بمكة وهذه دار هجرته وهو الضحوك القتال يجترئ بالكسرة والتميرات ويركب الحمار العاري في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة..)(20).

وهذا (بحيرا) الراهب المسيحي فقد رأى أن النبي في طفولته وشخّص علامات النبوة فيه فقال لأبي طالب: فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغُنَّه شراً فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم(21).

أما الراهب المسيحي الآخر (نسطور) فرأى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في شبابه فبشّر بنبوته معتمداً على العلامات التي عرفها في الكتب المقدسة فكان يقول هو نبيٌّ وهو آخر الأنبياء(22).

المهم إن حياة النبي (صلى الله عليه وآله) منذ ولادته وطفولته وصباه وشبابه مروراً بأيام تجارته وزواجه وانتهاءً بآثاره السلوكية الرفيعة حافلة بكل معاني السمو والنيل إلى أن بعثه الله نبياً هادياً.

فحادثة الحجر ودخوله في حلف الفضول لنصرة المظلوم وتجارته الأمنية وتعامله الشخصي وشهادات علماء ومفكري الديانات السابقة ونصوص الكتب المقدسة أيضاً كل ذلك كان بمثابة الأرضية الصالحة للقيام بهذه المهمة الصعبة.. فبدأ (صلى الله عليه وآله) بدعوته السرية ولمدة ثلاث سنوات استطاع (صلى الله عليه وآله) فيها أن يوجد اللبنات الأساسية الأولى للمجتمع الإسلامي وبعدها أعلن دعوته بأمر الله تعالى لكننا نلاحظ بعد اعلان رسالته بدأت تتكالب عليه المؤامرات من قبل أعدائه والمتضررين بالدعوة الجديدة حيث التقى أعداؤه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لضربه وتصفيته وإنهاء دوره ومنهجه وفعلوا كل ما أوتوا من خبث ودسيسة وقوة فاستقبلته قريش بجاهليتها وغرورها بشتى أنواع السخرية والاستهزاء والمحاربة النفسية والجسمية.

فجاءت قريش لعمه أبي طالب.. يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا ! وفرق جماعتنا فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالاً حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملكه علينا...

وجاءت إجابة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الجهلة كالسيف القاطع لأباطيلهم حيث قال (صلى الله عليه وآله): (يا عم لو ضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) بهذه المبدئية القاطعة ردّهم ليتفكروا ملياً بأهداف الرسول المقدسة هذا والنبي (صلى الله عليه وآله) مستمر في دعوته المباركة فكوّن الحلقات الإيمانية الأولى من طبقات المجتمع المختلفة باللون والعرق والجنس على أساس التقوى والإيمان ولكن قريش بل الجاهلية الرعناء صبت جام غضبها على النبي (صلى الله عليه وآله) وصحبه الكرام للانتقام منهم.

فتآمرت الجاهلية بكل صنوفها وخططت لضرب الرسول والرسالة مفرغة أحقادها واضغانها بشتى الوسائل والطرق لإطفاء نور الله سبحانه فابتدأوا بالسخرية والحرب النفسية فدفعوا الصبية للاستهزاء بالنبي ومارسوا الإيذاء الجسدي والنفسي فكانوا يرمونه بالأشواك ويضعون في طريقه القاذورات والأشواك ربما كان يعود إلى منزله ورجلاه تقطران دماً... وقذفوه بالكذب والسحر والخداع بعد أن وصفوه بالصادق الأمين قبل إعلان الدعوة المباركة! وقد مرّ معنا كيف كان يصفه أعداؤه وحينما سئل أبو جهل عن الرسول أنه كاذب ؟ قال: (إن محمداً لصادق وما كذب قط) وأما أصدقاؤه ومحبوه فأمر مفروغ عنه ويكفي أن نذكر خطبة عمّه أبي طالب عند زواج ابن أخيه محمد من خديجة قال: (فإن محمداً ممن لا يوزن به فتىً من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً فإنما المال ظل زائل وعاريه مسترجعة...).

المهم توجهوا للرسول (صلى الله عليه وآله) بالحرب الجسمية والنفسية وما اكتفوا بذلك بل عذّبوا من آمن به أشد تعذيب من أسرٍ وإهانةٍ وضرب ربما حتى الموت كما صُنع بالصحابي ياسر وزوجته الشهيدة سمية حيث طعنها أبو جهل بحربته الظالمة بعد أن ضجت ألماً على الصخرة الملتهبة الرمضاء كل ذلك حقداً على إيمانها برسالة محمد (صلى الله عليه وآله).

وطاردوا المسلمين واشاعوا الشبهات حولهم ولاحقوهم في الهجرة الأولى إلى الحبشة كي يثيروا النجاشي ضدهم ولكن الله سبحانه هو الذي يدافع عن الذين آمنوا في كل مكان فانقلب السحر على الساحر حيث ردّت رشوتهم وعادوا خاسرين بعد أن استمع النجاشي كلام مندوب المسلمين جعفر بن أبي طالب في عقيدة الإسلام بالسيد المسيح (عليه السلام).

وهكذا ضربوا على بني هاشم ومن آمن بالرسالة الطوق الاقتصادي فحوصروا في شعب أبي طالب أكثر من ثلاث سنين وعُلقت المقاطعة الاجتماعية والاقتصادية في الكعبة وبالفعل كانت تجربة قاسية ومؤلمة عاشها المسلمون الأوائل في تلك الأيام الخانقة حتى كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتألم كثيراً حينما يسمع صراخ الأطفال والنساء جوعاً وعطشاً.

ومع كل هذه الأساليب الوحشية المتعددة فقد كانت بمثابة سحابة صيف فما أفلحت هذه الأساليب لضرب كلمة الحق فقد تحول الفكر الإسلامي إلى سيلٍ متنامٍ هادر وقد بات مهدّداً لمصالح الكفر والجهل والإنحراف فقد اتصل الرسول (صلى الله عليه وآله) في أيام الحج بأهل المدينة وبالتحديد بالخزرج واستطاع أن يؤثر فيهم فدعاهم للإسلام فآمنوا به وقالوا: والله إنه للنبي الذي تواعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه. ورجعوا إلى أهلهم يبلغونهم الأمر وبالعام القادم جاء إثنا عشر رجلاً من يثرب بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله) وسميت بيعت العقبة الأولى فبعث النبي (صلى الله عليه وآله) الصحابي الجليل مصعب بن عمير معهم فأسس هذا الرجل قاعدة مؤمنة بالمدينة (يثرب) صالحة لاستقبال النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد الهجرة من مكة المكرمة فأسلم الكثير، ومن جملتهم زعيم الأوس (أسيد) وقبيلته كذلك.

فهذه الآفاق الجديدة هي التي كسرت الأسوار المطوقة للرسالة الإسلامية وللمسلمين آنذاك وقرّر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يبتعد عن مكة ذات الحساسية المضادة للإسلام. - على العموم - هاجر إلى المدينة المنورة حيث أصبحت المحطة الرئيسية لقيام الدولة الإسلامية ولنشر الدين الإسلامي فاستقبلته أرضية المدينة المنورة المهيئة لعمل الإسلامي وترك علياً (عليه السلام) نائماً في فراشه ليلة الهجرة فتدخلت العناية الإلهية مباشرة لتضيع معالم اختفائهم في الغار، المهم وصل النبي بموكبه المهاجر إلى المدينة المنورة واستقبلته قلوب الناس بحفاوة وإكرام وقد شرع بمجرد وصوله بمشاريعه الاجتماعية والثقافية والتغييرية فبنى المسجد النبوي وآخى بين المهاجرين والأنصار وبدأ بالإعداد العسكري (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل...) تحسباً للمعارك المستقبلية التي ستنتجها مجمل الاضغان الجاهلية والمصالح المهددة والروح الانتقامية لآلهتهم المتساقطة بالإضافة إلى التركيبة الاجتماعية والفكرية على أرض الحجاز.. هذا الخليط من الدوافع تبلور للوقوف ضد هذا الدين الجديد ومحاربة رسوله وملاحقة المؤمنين به في كل مكان وبكافة المستويات فعلى المستوى الفردي أو الجماعي كان يظهر ذلك الحقد الدفين في تعاملهم الشرير مع المسلمين وفي كافة معادلات الصراع بين الحق والباطل مثلاً تخبرنا صفية بنت حي بن أخطب - أحد كبار اليهود - بعدما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة وعرف الناس به فكان من جملة الذهبين لرؤيته حي بن أخطب والد صفية وعمها أبو ياسر بن أخطب تروي صفية وتقول: (فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس). قالت: فأتيا (أبوها وعمها) كالّيْن كسلانين ساخطين يمشيان الهوينا قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغم قالت: فسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو ؟ قال نعم والله.

قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟. قال: عداوته والله ما بقيت (23).

وحقاً تنطبق عليهما وعلى أمثالهما الآية الكريمة: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين). [سورة البقرة: الآية 89].

وبالفعل تمت اتفاقية سرية بين اليهود وقريش وبين كافة المعارضين والمتضررين فقريش من مكة واليهود من المدينة وهما قوتان لا يستهان بهما اتفقتا لغرض تصفية رواد الدين الجديد ! وخاض المسلمون معارك المصير بجدية واندفاع فنصرهم الله واتم كلمته العليا فتم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة ودخل الناس إلى الإسلام وابتدأت مسيرة الحضارة الإسلامية بعد أن سقطة الأقنعة وتبين الاندفاع الباطل لأصنامهم وجاهليتهم فانتصر الإسلام في بدر وأُحد بعد الدرس القاسي وفي معركة الأحزاب أيضاً وانهزم اليهود وتساقطة قلاعهم الواحدة تلو الأخرة وانتشر الإسلام خارج الحجاز وامتد إلى العالم بعد أن ترسخت دعائم الشريعة في قلوب المؤمنين وكانت المعجزة الكبرى للنبي الكريم - القرآن المجيد - الصوت الرادع للمنافقين والكافرين وبلسم الشفاء للمؤمنين وبالفعل لقد طأطأ الجبابرة رؤوسهم وانحنى البلغاء والأدباء وأمام أسلوبه المتين ومنهجيته المستقيمة.

فوضع النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أُسس الحضارة الإسلامية وبيّن كيفية تطبيق الرسالة والدعوة والعمل والجهاد للإسلام وإمكانية قيام الدولة الإسلامية على أساس التشريع الديني وقد مارس في حياته المباركة كافة القوانين الإسلامية بمختلف الأصعدة على ضوء أوامر الله عز وجل.

من هذا العرض السريع لحياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وجهاده نستنتج عدة أمور لابد أن ندرسها بشيءٍ من التوضيح..

1 - إن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) كان يتمتع بقوة عالية في شخصيته ساعدته على أن ينجح في عمله ونشر رسالته السماوية وخلق جيلاً مؤمناً يرفع على كاهله مسؤولية النشر والتطبيق للشريعة فمنذ بداية حياته (صلى الله عليه وآله) تحدّى الواقع الفاسد والتيار الفكري السائد في ضلاله وانحرافه فتعبد لوحده في غار حراء وابتعد عن الشهوات والنزوات المتداولة حينذاك فوقف كالجبل الأشم أمام الأعاصير الجاهلية المحيطة به فبدلاً من أن ينحرف مع التيار العام الفاسد وقف متنكراً يفكر ملياً بالنجاة لهذه الأمة المسكينة فهو شخصياً ابتعد عن ذلك كل البعد وبقي في المجتمع ولكن ليس معه إلاّ في الإطار المشروع النافع حتى لقب بالصادق الأمين وبعد البعثة صمد أمام الإغراءات الدنيوية المتعددة وردّ هذه الإغراءات بكلمات مبدئية قالها لعمه أبي طالب: (لو وضعوا الشمس في يميني...).

والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان يمشي إلى جانب المعذبين ويرجو لهم الخلاص من وحل الجاهلية الظالمة وفي بداية الدعوة الإسلامية كان يمشي إلى جانب المعذبين من أجل الحرية والكرامة ومن أجل الإسلام فيتنفس الصعداء ويقول: (صبراً آل ياسر موعدكم الجنة), بهذه القوة الكبيرة في شخصيته المتزنة استطاع أن يهضم المشاكل ويستوعب الأزمات على كافة المستويات الفردية والاجتماعية ل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وقفة مع بعض الأنبياء ونبي الإسلام محمد (ص)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأنبياء ونبي الإسلام
» كتاب الحب والجنس في الإسلام للشيخ فوزي محمد أبوزيد
» وقفة مسافر
» وقفة من أحد السلف
» وقفة ********** كفاكم حزنا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شنواى  :: المناهج الدراسية المشتركة لجميع المراحل :: مقالات عامة فى المناهج الدراسية-
انتقل الى: